طبقًا لإحصائيات منظمة الصحية العالمية هناك ما يبلغ ٥ مليون و ٤٠٠ ألف إنسان يتعرض إلى لدغات الثعابين كل عام، منهم ٢ مليون و ٧٠٠ ألف حالة سامة وتتراوح أعداد الوفيات إلى ٨١٠٠٠ - ١٣٨٠٠٠ حالة وفاة، وحوالي ثلاثة أضعاف هذه الأرقام يتعرض أصحابها إلى صدمات عصبية وحالات من البتر تتحول إلى إعاقة مدى الحياة.
وبالرغم من أنها أرقام مرعبة الا أن الأعداد التي يتم إنقاذها اليوم أضعاف الأعداد التي كان يتم إنقاذها في الماضي، وهو الأمر الذي كان مستحيل دون مضادات السموم ومخاطرة القائمين على صناعتها في واحدة من أخطر الوظائف في العالم وهي حلب الثعابين السامة.
أكثر بلد تحتوي على الثعابين السامة
لا توجد بلد خالية من الثعابين بغض النظر عن القارة القطبية الجنوبية، آيسلندا، غرينلاند ونيوزيلاند، مع أكثر من ٣ آلاف نوع مختلف من الثعابين يوجد منهم ٧٠ نوع يعيش داخل المياه والباقي على الأرض.
ومن الـ ٣ آلاف نوع لا يوجد غير ٦٠٠ نوع سام فقط، ٢٠٠ نوع يصل خطورته إلى الوفاة، وكان نصيب دولة أستراليا من هذه الأعداد ١٤٠ نوع من الثعابين يصنف منهم ٢٠ نوع ضمن قائمة أخطر ٢٥ نوع ثعبان سام في العالم.
حيث تحتل الثعابين الاسترالية أول ١١ مركز في القائمة فلك أن تتخيل أن تعيش أو تتواجد في بلد يحتوي على أخطر ١١ ثعبان في العالم بالإضافة إلى ١٤٠ ثعبان ضمن أخطر ٢٠٠ ثعبان في العالم.
لذلك كان يجب على المسؤولين والمجتمع العلمى التركيز على صناعة مضادات السموم وهنا يأتي دور برنامج حالبي الثعابين السامة في حديقة الزواحف الاسترالية، والذي تعتبر واحدة من أهم المنشئات المساهمة في صناعة مضادات السموم في العالم.
في خمسينيات القرن الماضي كانت هذه الحديقة المورد الوحيد لمضادات الثعابين في أستراليا وسنويًا تساهم في إنقاذ مئات الحالات المصابة بلدغات الثعابين، ومنذ إطلاق برنامج حلب الثعابين السامة إلى وقتنا هذا فقد ساهم البرنامج في إنقاذ حياة ٢٠ ألف شخص.
وأصبح عدد الوفيات سنوياً لا يتخطى الحالتين أو ثلاثة لدرجة أن حالات الوفاة الناتجة عن ركوب الخيل في أستراليا أكثر بـ ٦ أضعاف عن حالات الوفاة الناتجة من لدغات الثعابين.
تضم أستراليا أخطر أنواع الثعابين في العالم وتتراوح حالات اللدغ ٣ آلاف حالة سنوياً، حيث تعد أستراليا البلد الوحيد في العالم الذي يحتوي على ثعبان "التايبان" والذي يعتبر أقوى الثعابين الأرضية سُمية.
واللدغة الواحدة من ثعبان التايبان يمكنها الفتك بـ ٢٥٠ ألف فأر ونفس اللدغة تحتو كلى كمية سم يمكنها الفتك بـ ١٠٠ شخص بالغ، ولكى يتمكن المتخصصون من صناعة جرعة واحدة من المضاد يحتاجون إلى ما يبلغ من ١٥ عملية حلب داخل غرفة مخصصة ليس من السهل العمل بداخلها.
"لا شك أن هذه هي الغرفة الأخطر في البلاد" كان هذا تصريح (ذاك باور) مشرف السموم في حديقة الزواحف وأحد المسؤلين عن حلب الثعابين في الحديقة.
أخطر وظيفة في العالم - حلب الثعابين
من الوهلة الأولى لدخولك غرفة حلب الثعابين ستجدها محاطة بصناديق في الأركان فوق بعضها البعض محكمة بواسطة أقفال صغيرة مغلفة بزجاج سميك، والواقف في هذه الغرفة يكون محاط بأخطر الثعابين السامة في العالم بأكمله.
يحتوي كل صندوق بداخله نوع من الثعابين على ورقة تحمل معلومات بخصوص نوعية الثعبان في الداخل، حيث يقوم (ذاك باور) بإستخدام عصا صيد الثعابين وسحب الثعبان إلى الخارج مع مسك الثعبان من الخلف وتوجيه رأسه إلى الأسفل.
بعد ذلك يتمكن من مسك الثعبان من رأسه بواسطة يده وإحضار كوب لاستخلاص عينة السم من الثعبان، ويذكُر ذاك باور عند مسك الثعبان من رأسه يصيبه حالة من الغضب حيث يعمل الثعبان على لدغ حامله.
ولكي يتم استخلاص العينة من الثعبان يقوم ذاك بإستخدام إصبعه كطُعم للثعبان وفي لحظة انقضاض الثعبان على الإصبع يكون ذاك قام برفع إصبعه وتوجيه رأس الثعبان إلى الكوب، وهنا يبدأ ذاك بالضغط على رأس الثعبان من الجانبين حتي يستخلص أكبر عينة من السم.
لكن المهمة السابقة ليست هي الأصعب بل الأصعب هو إرجاع الثعبان إلى الصندوق الخاص به، ويقول ذاك أن السر في إعادة الثعبان إلى الصندوق يعتمد على الأسرع من بينهم، حيث عند إستخراج الثعبان من مكانه يتم إخراجه بواسطة عصا لصيد الثعابين لكن عند إرجاعه يختلف الأمر.
في البداية يقوم بإدخال الجزء الخلفي للثعبان ممسكًا رأسه بإحكام شديد وفي حركة مرعبة وسريعة يقوم بإلقاء رأسه بعيداً مع سحب يديه بسرعة كبيرة وغلق الصندوق قبل أن ينقض الثعبان عليه في واحدة من أخطر اللحظات التي يمر بها في العملية بأكملها.
كيف يتم تحويل سم الثعبان إلى مصل؟
عام ١٨٩٠ م الطبيب الفرنسي "ألبرت كالميت" كان يُطعم السكان المحليين في فيتنام ضد الجدري وقد لفت إنتباهه المخاطر التي تمثلها ثعابين الكوبرا على الأشخاص في المنطقة وفكر هل يمكنني صناعة مصل ضد سموم الثعابين؟
وبرجوعه إلى بلد أحضر أرنب وقام بحقنه بجرعة ضئيلة من سم ثعبان الكوبرا وكل أسبوع يقوم بحقن الأرنب بجرعة أكبر من الذي قبلها، وبعد مرور ٨ أشهر تمكن الأرنب من أخذ جرعة تصل إلى ٣٥ ميليجرام علماً أن هذه الجرعة تعادل 15 ضعف الجرعة المُميتة للارنب الطبيعي.
يُولد النظام المناعي للأرانب أجسام مضادة تُبطل مفعول السم وهنا تأكد الدكتور ألبرت كالميت من الممكن تطعيم الإنسان ضد لدغات الثعابين كأى مرض آخر، حيث توصل الدكتور ألبرت كالميت أن أفضل الحلول هو توفير الأجسام المضادة اللازمة للمصاب.
وبالفعل قد نجح في ذلك عن طريق أخذ عينة من دم الأرنب الذي لديه مناعة وقام بفصل المصل الذي يحتوي على أجسام مضادة وحقنه في أرنب آخر وكانت النتيجة هي انتقال المناعة إلى الأرنب الآخر، وكان هذا أول مضاد للسموم في التاريخ ومازالت هذه العملية قائمة حتى وقتنا هذا.
بعدما يقوم ذاك بجمع السموم هو وفريقه المتخصص يتم تجميدها وإرسالها إلى شركة استرالية متخصصة في التكنولوجيا الحيوية، وهناك يتم الاستعانة بالخيول وحقنها بجرعات متزايدة من السموم لمدة تبلغ ٦ أشهر حتي تتمكن أجسامهم من تكوين أجسام مضادة للسم، وبعد ذلك يتم سحب الدم من الخيل وفصل الأجسام المضادة ومعالجتها بشكل يصلح لاستخدامها.
ومن خلال هذه المضادات يتم إنقاذ حياة ملايين الأشخاص سنوياً ومن دونها بإذن الله كان من الممكن أن تصل حالات الوفيات سنوياً إلى ٢ مليون حالة وفاة .