لماذا تبني دول منازل من الخشب ودول تبني من الخرسانة؟ - الفرق بين المنازل الخشبية والخرسانية

لماذا تبني دول منازل من الخشب ودول تبني من الخرسانة؟


هل لاحظت من قبل في مختلف الأعمال التلفزيونية منازل الشعوب الآسيوية والانجليزية تتكون من الخشب، ونادرًا ما يقوموا باستخدام الطوب، بالإضافة إلى هيكل خشبي، لكن في مجتمعنا العربي عند الالتفات إلى المواد المصنوع منها المنازل والبيوت، سنجدها تتكون من الحديد والخرسانة المسلحة، فما تفسير هذا الاختلاف بين الدول في بناء المنازل والبيوت.

لماذا تبني دول منازل من الخشب ودول تبني منازل من الخرسانة؟

الخشب


- الوفرة 

في البداية وقبل كل شئ، لابد من معرفة أن الأشخاص تقوم ببناء منازلها بواسطة أكثر مادة منتشرة في البيئة حولهم، هذا هو أهم عنصر والذي يتحكم بشكلٍ أساسي في نمط وطبيعة المباني.


تعد الصين واليابان واحدة من أكثر الدول في العالم التي تمتلك وفرة  من الغابات، حيث تمتلك الصين وحدها أكثر من 2 مليون كم² من الغابات، وبناءًا عليه تمتلك وفرة من الخشب، وهذا ما جعل الشعوب الصينية واليابانية من استخدام الخشب كمادة أساسية لبناء المنازل منذ العصور القديمة إلى الوقت الحالي.


نفس الأمر ينطبق عند النظر إلى امريكا وكندا، حيث يحتلوا المرتبة الرابعة والثالثة من ضمن أكبر الدول التي تمتلك غابات في العالم، بل أن لديها غابات أكثر من الصين بمرة ونصف تقريبًا، ولذلك يعتمدون أيضًا على الخشب كمادة أساسية لبناء منازلهم.


خصوصًا أن الاروبين عندما جاءوا بأعداد كبيرة واحتلوا الامريكتين من السكان الأصليين، كانوا يحتاجوا منازل كثيرة في وقت قصير، وبناءًا على ذلك كان الخشب هو الحل المثالي، فكانت المنازل الخشبية لا تحتاج إلى وقت كبير لبناءها أو معدات معقدة.



ليس ذلك فقط، المهاجرين الهولنديين الذي ذهبوا إلى امريكا، كانوا يمتلكون حرفة بناء الطوب، ولذلك ابتداءًا من عام 1661، انتقلت صناعة الطوب إلى امريكا، وتحديدًا لولاية فيرجينيا، وبدا بعدها صناعة الطوب تتوسع وخصوصًا أن المواد الخام الذي يُصنع منها كالطفلة والصخور الطينية والرمل وغيرها، توجد بكثرة في الأراضي الامريكية.


ولذلك إلى وقتنا الحالي مازالت المنازل والبيوت الأمريكية تتكون من عنصرين أساسيين، هما الطوب والخشب.


- مقاييس أخرى

الموضوع لا يرتبط بالوفرة فقط، فمن الممكن وجود وفرة في مادة معينة لكن في نفس الوقت هذه المادة ممكن أن تكون غير مناسبة للظروف البيئية أو متطلبات البناء المطلوبة، وبالتالي لا يمكن استخدامها، وهنا يظهر سؤال هل الخشب مناسب للظروف المناخية في امريكا؟، الإجابة نعم.


الخشب مادة عازلة بشكلٍ استثنائي، فلك أن تتخيل أن الخشب يعزل الحرارة أكثر من الطوب والحجارة بـ 50 مرة، وأكثر من الحديد بـ 700 مرة، وهذا يجعل المنزل المصنوع من الخشب قادر على عزل الحرارة ومنعها من الدخول أو الخروج من المنزل.


حيث أثبت الخشب نجاحه في الأجواء الثلجية الموجودة في امريكا وكندا، بالإضافة إلى توفيره للطاقة بشكلٍ كبير، على سبيل المثال عند تشغيل أجهزة كهربائية كالمدفئة أو مبرد للهواء، لن يتم الاحتياج إلى بذل جهدًا كبيرًا أو استهلاك كهرباء.


- مناسب للكوارث

عند الرجوع إلى الجانب الاخر من الصين، سنجد أن ما جعل الشعب الصينى التمسك بالخشب كمادة أساسية في عملية البناء، أنها مناسبة لمواجهة الكوارث الطبيعية، فالصين على مر التاريخ وهي تتعرض باستمرار إلى موجات من الزلازل والعواصف الموسمية، وبالرغم من أن منازلهم كانت تتدمر من الكوارث، إلا أنهم كانوا يتمكنوا بسهولة من إزالة القطع التالفة واستبدالها بقطع آخرى جديدة.


وخصوصًا أن البيوت الخشبية في الصين، كانت تُبني بطريقة تعرف بإسم الدوجون، وكانت فكرتها أن القطع الخشبية يتم تركيبها مع بعضها بطريقة أشبه بألعاب البازل دون الاحتياج إلى المسامير (البراغي) أو الغراء، وهذا ما كان يسهل عليهم عملية الترميم.


وقاموا بالاعتماد على أن أعمدة المنازل والبيوت لا يتم تثبيتها بشكل قوي داخل الأرض، حيث كانوا يتركوها وهي مثبتة تثبيت بسيط، نظرًا لحدوث زلزال في المنطقة، ليتحرك البيت بهدوء وتناغم مع موجات الزلازل، كما تتحرك القوارب مع مياه البحار، وبالتالي ما كان يحدث بعد انتهاء الزلزال هو تحرك المنزل مكانه بنسبة بسيطة دون أضرار كبيرة.


ولذلك البناء باستخدام الخشب كان مناسبًا للبيئة، بل أنهم مع مرور الوقت اعتبروه من التراث، والأسر الحاكمة كانت تطلب من الأشخاص أنه يجب على كل عائلة زراعة أشجار في منطقتهم، لضمان وجود الأخشاب في المستقبل وليتم استخدامها مرة آخرى.



الخرسانة المُسلحة


دعونا الآن نطبق جميع العوامل السابقة على دولنا العربية، حيث تقريبًا من 80% لـ 87% من مساحة الجزائر عبارة عن صحراء، ويكاد يكون 94% من مساحة مصر عبارة عن صحراء، والسعودية بها جزءً كبير صحراء، بالإضافة إلى معظم دول الخليج الموجودة حول الصحراء.


ولذلك الرمل ومكونات الرمل الأساسية تتوافر بكثرة في الدول العربية، وهذا ما جعلها تتجه لبناء المنازل والبيوت بإستخدام الخرسانة المُسلحة، وبالفعل تعتبر مصر أكبر دولة عربية في إنتاج الأسمنت، ومن ضمن أكثر 10 دول منتجة للأسمنت في العالم، 


بمعدل يصل إلى 80 مليون طن سنويًا، وتأتي بعدها السعودية بمعدل يبلغ 60 مليون طن سنويًا، وهذا من ناحية الوفرة، لكن هل المباني الخرسانية هي أنسب مادة للبناء لمناخ دولة كمصر؟، 


هل الخرسانة أنسب مادة بناء؟


الإجابة على هذا السؤال هي لا، الخرسانة المُسلحة ليست المادة الأنسب أو بمعني آخر يتم توظيفها بطريقة خاطئة ليست متناسبة مع طبيعة المناخ لمصر، ولوضوح الصورة بطريقة أكبر لابد من الرجوع بالزمن.


المصريين القدماء في عصر الأسرات، كانوا يستخدموا الطوب اللبن والحجر الجيري في تشييد المباني، الطوب كان يتم استخدامه في بناء المنازل والقصور الملكية والحصون، والحجارة كانت تستخدم في بناء المقابر والمعابد.


وظلت هذه المواد هي مواد البناء الأساسية في مصر على مدار عصور طويلة، ولم يتم حدوث أي تغيير جذري في شكل العمارة المصرية، غير في عهد محمد علي.


محمد على أثناء محاولاته لبناء دولة حديثة، استعان بخبراء أجانب في مختلف التخصصات، وكانت العمارة واحدة من التخصصات التي أهتم بها، ولذلك على مدار السنين جاء الكثير من الخبراء في مجال الهندسة، وبدأوا محاولة بناء منشئات فخمة وفي نفس الوقت تكون مناسبة لمناخ البلاد.


والحل الذي تم الوصول إليه، كان جعل عدد طوابق المبني ليس بالكبير، والطابق الواحد ارتفاعه عاليًا، وجدران المبني تكون ذات سمكًا كبيرًا، وخصوصًا الجدران الخارجية للمنشئة.


الحل الذي تم الوصل إليه هذا، اتضح بعد ذلك أنه وفر ميزتين مهمتين، الميزة الأولى هي أن مساحة الفراغ داخل المنزل كبيرة، وهذا بشكلٍ تلقائي يجعل أي هواء ساخن داخل البيت يرتفع إلى أعلى ويبقي قريب من السقف، وهذا لأن كثافة الهواء الساخن أقل من كثافة الهواء البارد.


أما بالنسبة إلى الميزة الثانية المهمة الذي كان يوفرها هذا النظام، أن الحوائط الخارجية عندما يكون سمكها كبير، تقوم بامتصاص الحرارة إلى الداخل لكن ببطء شديد، لدرجة أنها من الممكن أن تنقل هذه الحرارة في مدة تبلغ 12 ساعة.


لذلك عندما يأتي الليل والجدران كانت تمتص الحرارة على مدار اليوم، فتبدأ في فترة الليل اشعاع هذه الحرارة داخل المنزل، وبالتالي تقوم بتدفئته وتمتص البرودة من الخارج.


وعندما يشرق الصباح ويأتي النهار، تبدأ تشع هذه البرودة التي كانت محتفظة بها على مدار الليل، فتقوم بتبريد المنزل من الداخل، وتبدأ في الدفئ لتعيد الدائرة مرة اخري، فتكون الحوائط تدفئ المنزل ليلًا وتبرده نهارًا.


كان هذا النظام مُفصل خصيصًا لمصر، وخصوصًا أن أغلب الوقت في مصر يكون الجو حارًا نهارًا، بارد ليلًا، واستمر هذا النظام لفترة طويلة من الزمن، والمنازل القديمة مازالت منتشرة في مناطق كثير في مصر، لكن الآن طالما كان هذا النظام جيد أو أفضل، لماذا قد اندثر وحلت محله الخرسانة المُسلحة.


- تمسك السُكان بالقاهرة


السبب الأول أن الأسمنت رخيص، أي شخص يقوم بالبناء بإستخدام الخرسانة المُسلحة تكون العملية موفرة أكثر من النظام السابق، والسبب الثاني هو أن الأشخاص كانوا متمسكين بالقاهرة ويتوافدون عليها بكثافة ولا يرغبون في الرحيل إلى مناطق آخري.


وأحد الأسباب الأساسية أيضًا لتغير أشكال التراث المعماري في معظم بلدان العالم هو زيادة التعداد السكاني، حيث كان يتمسك الصينيون بتراثهم, وبناء المنازل الخشبية، لكن مع العصر الحديث بدأوا في الاتجاه إلى ناطحات السحاب، وهناك بعض المدن في امريكا يتم وصفها بالغابات الخرسانية نظرًا لكثرة ناطحات السحاب بها، وذلك لمعالجة الكثافة السكانية.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-