كيف كان شكل الخضروات والفواكه قبل تهجينها؟
عملية التهجين باختصار، هي عملية تلقيح بين أنواع مختلفة من النباتات عن طريق الإنسان، وهي العملية التي تؤدي في النهاية إلى تغيرات شبه كاملة في طعم أو شكل أو لون النبتة الأصلية، وعلى مر التاريخ والبشر يستخدمون التهجين لتحسين المحاصيل الزراعية، لدرجة وجود بعض الخضروات والفاكهة التي تغيرت أشكالها تمامًا عن قبل!
خضروات وفاكهة تغير شكلها تمامًا عن قبل
تُعرف ثمرة الباذنجان بلونها الاسود المائل إلى البنفسجي المميز ، وإذا لم يكن أسود يكون باذنجان بلونه الأبيض، لكن عند النظر إلى الباذنجان في البرية نجد أن شكله ولونه الذي يشبه ثمرة الطماطم، هو اللون الوحيد للباذنجان الموجود إلى وقتنا الحالي.
على مدار التاريخ ومنذ آلاف السنيين عرف الإنسان الزراعة وأساليبها، حيث كان أهمها هي عملية التهجين الذي ذكرناها سابقاً، وعن طريق التهجين أصبح الإنسان يختار أفضل الثمار ودمجها مع بعضها البعض خلال عملية الزراعة.
ومع مرور الوقت أخذ بتحسين النسل وزيادة المحصول، لكن العرض الجانبي لعملية التهجين أن الشكل الأصلي أو البري اختفى تمامًا مع مرور الوقت، حيث كان الباذنجان في البرية ذات ألوان وأشكال متعددة، والثمرة في بعض الأحيان كانت تحتوي على الأشواك، لكن بسبب عملية التهجين أصبح البحث عن الثمار الأكبر لحمًا وأقلها أشواكًا ليصل الباذنجان في النهاية إلى شكله المعروف حاليًا، ومع مرور السنيين أخذت تنقرض بقية الأنواع والمليئة بالأشواك.
تتميز ثمار الجزر بلونها البرتقالي، لكن قديمًا لم يكن لونها كما هو موجود حاليًا، فأنواع وألوان الجزر جميعها كانت تندرج تحت اللون الأبيض - البني - البنفسجي، وعلى الرغم من أن النبتة البرية الأصلية كانت رفيعة وتمتلئ بالشعيرات أكثر من الجذور، إلا أن طعمها كان أقوي بكثير وذات مذاق حلو.
لكن مشكلة المحصول الذي كان ينتج عنه هذه النبتة البرية أنه كان فقيرًا وذات كميات قليلة على الرغم من طعمه المميز، ومن تذوق الجزر البنفسجي يعلم أن طعمه ألذ بكثير، وعلى الرغم من أن الإنتاج التجاري لهذه الأنواع متوقف، إلا أنه يوجد بعض أنواع النبات البري الموجودة حاليًا.
ويعتقد المؤرخين أن بداية تهجين الأنواع البرية للجزر كانت في بلاد الاغريق والفرس والرومان، بالإضافة إلى مؤرخين أخرين يذكروا أن اللون البرتقالي الذي سيطر على محصول الجزر يرجع تحديدًا إلى التهجين الذي قام به المزارعين الهولندين في القرن السابع عشر.
الصورة الموجودة أمامك هي لوحة للفنان الايطالي جيوفاني ستانشي قام برسمها في القرن السابع عشر،حيث يظهر فيها بطيخ ذات شكلٍ غريب، فاللحم الأحمر المنتشر للبطيخ والذي يعشقه الجميع، لم يكن منتشرًا في ثما. البطيخ قديمًا، حتي البذور الموجودة داخل ثمرة البطيخ كانت أكثر من الآن، أن بالنسبة لهذه اللوحة المرسومة فكانت مجرد تسجيل للتطور الذي حدث لثمار البطيخ مع حلول القرن السابع عشر، والذي كان فيها شكل البطيخ مقسم إلى ستة أجزاء.
حيث يعتقد الباحثين أن ثمار البطيخ الأصلية بدأ تهجينه على الأراضي المصرية والليبية منذ آلاف السنيين، وكان البطيخ في ذلك الوقت ذات حجم أصغر ومليئ بالبذور عن الموجود حاليًا.
الموز أحد الفاكهة التي تعتبر حالة خاصة جدًا في عملية التهجين، فعن طرق مزج صفات وراثية من نوعين مختلفين من النباتات البرية ظهرت ثمرة جديدة تمامًا وهي ثمرة الموز الأصفر المتعارف عليه، ويعرقد الباحثين أن الثمار البرية الأصلية للموز بدأ تهجينها في جنوب شرق آسيا والصين منذ آلاف السنيين.
الموز الأصفر المتعارف عليه والذي يفضله الكثيرين، هو مرحلة أخيرة من مراحل تهجين وتحسين استمرت لسنوات طويلة، لكن ثمرة الموز الأصلية والذي تم عليها عملية التهجين بعد ذلك، كانت عبارة عن ثمرة خضراء ذات سكر قليل ومليئة بالبذور، وتم تهجين معها نوعين مختلفين من النبات.
النوع الأول والذي يعرف باسم (Musa Acuminate) والذي يصفه الباحثين أنه نبتة مغطاة بالقليل من الشوك تشبه البامية المعروفة حاليًا، والنوع الثاني كان نبتة تعرف بإسم (Musa Balbisiana) والتي كانت تشبه الموز الأخضر الصغير، لكنها مليئة بالبذور الصلبة الكبيرة.
ومع استمرار تهجين الثمرة على مدار سنوات أصبح يوجد نوعيين من ثمار الموز لدي المزارعين القدامى، نوع يسمّى غروس ميشال (Gros Michel) والنوع الثاني يسمّى كافنديش (Cavendish)، ولان نوع الغروس ميشال كان أسهل في الزراعة وذات طعمًا أفضل فقد سيطر على الأسواق مكتسحًا، في الوقت الذي كان فيها كافنديش ليس له رواجًا في الأسواق والمزارع.
ولكن منذ فترة تفشّي مرض فطرى دمر النوع الذي يسمّى غروس ميشال، وبعد اضطر المزارعين بزراعة النوع الذي يسمّى كافنديش، وهذا هو النوع المتعارف عليه حاليًا.
هذا الأمر يوجد به الكثير من الفرق الباحثة القلقة حوله، وهو أن نوع الموز الذي يسمّى كافنديش يتعرض إلى مرض أيضًا يتمكن من القضاء عليه، ونتيجة لذلك سوف تختفي ثمرة الموز من العالم، لذلك يتم إجراء تجارب في محاولة لانتاج نوع جديد تمًامًا من الموز على سبيل الاحتياط.
الذرة واحدة من أكثر المحاصيل التي كانت متعاونة مع عملية التهجين للبذور، فمنذ آلاف السنيين بدأ المزارعين في المكسيك باختيار أفضل الحبوب من نبات التيوسنت (teosinte)، والذي عبارة عن نبات عشبي موجود إلى وقتنا الحالي، هذا النبات كان يشبه إلى حد ما سنابل القمح، النبتة عبارة عن بذور صلبة صغيرة تكون موجودة في عدد من الصفوف، وطعمها يشبه إلى حد ما البطاطا النيئة.
لكن مع مرور السنيين بدأ المحصول يتغير شكله بالإضافة إلى طعمه، إلى أن وصل واستقر المزارعين على شكل وطعم مُرضى، وهو الشكل الحالي المتعارف عليه، وهو الشكل الذي يذكر الباحثين أنه بدأ في القرن الخامس عشر ومازال موجود إلى وقتنا الحالي.
التفاح الأحمر والأخضر والأصفر جميهم المفضلين لدى الكثيرين، وطبقًا للباحثين أنهم أحفاد لأربعة أنواع من التفاح، المزارعين قديمًا كانوا يخلطوا جميع هذه الأنواع لأخذ أحسن الصفات من كل عضو من الأربعة، وإلى الآن يوجد اثنين من هذه الثمار البرية في المكان الذي بدأ منه التفاح بشكله الجديد.
في المنطقة الموجود حاليًا فيها كازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان والمناطق حولها، هذين الثمريتن هما (Malus Sieversii) وهي ثمرة تشبه الجوافة والرمان تقريبًا، وثمرة اخرى تسمّى (Granny smith) والتي تشبه التفاح الموجود حاليًا.
هذه الثمرات توجد في الجبال المذكورة، وتعتبر من الأطعمة المحببة جدًا للحيوانات وخصوصًا الدببة، بل أن مذاقها مقبول إلى الوقت الحالى،لكن ذات سكر أقل من التفاح المُهجن والذي نتناوله حاليًا، بالإضافة إلى ندرة محصولهم والذي تقتصر على شهرين فقط، ولذلك على مدار الـ 4000 سنة الماضية اختصر استعمال البشر لهذين النوعين فقط في عمليات التهجين لانتاج ثمار التفاح المتعارف عليها حاليًا.
تعتبر الطماطم من النباتات الحديثة في العالم بأكمله وخصوصًا في علمنا العربي، الطماطم الأصلية كانت عبارة عن نباتات عشبية تطرح القليل من الثمار ذات اللون الأصفر تشبه حبات الكريز، ومع عمليات التهجين بدأ تأخذ شكلها المعروف.
وانتشرت عالميًا بعدما بدأت الجيوش الأسبانية الدخول إلى العالم الجديد وتتعرف على حضارة الآزتيك في القرن السادس عشر، قبل ذلك لم تكن ثمرة الطماطم معروفة لاحد في باقي قارات العالم، بل أنها دخلت منطقة الشرق الأوسط عن طريق مصر وتركيا وبلاد الشام في أواخر القرن التاسع عشر.
وعلى الرغم من شهرتها الواسعة حاليًا ودخولها في كافة أنواع الأكلات المطبوخة، لكن الذي تسبب في تأخر شهرتها، هي المشكلة التي حدثت عندما زرعت في أوروبا واختلطت ببعض المكونات منها الرصاص، والذي تسبب في الكثير من حالات التسمم والوفاة، ونشأ بعدها اعتقاد عن الناس أن هذه النبتة من النوع السام.
فاكهة الخوخ اللذيذة منذ آلاف السنيين كان حجمها صغير ومذاقها مالح والقليل من العصارة وبذرة داخلية ذات حجم كبير، لكن مع التهجين الذي قام به المزارعين القدماء من أهل جيال الهيمالايا، تحول الخوخ حاليًا إلى شكله المعروف
والغني بالمواد الغذائية، وهذا الأمر لم يمنع استمرار زراعة الخوخ البري، والذي يتم استخدامه حاليًا لاستخراج الزيوت، والتي تستخدم في الكثير من التطبيقات العلاجية والغذائية.