إذا اشتريت الموز من أي بائع فواكه وأخذته إلى المنزل، ستلاحظ أنه خلال يوم أو يومين فقط يصبح أسود ويفقد نضارته. لكن الغريب أن الموز عند البائع يظل أصفر وكأنه قد تم قطفه للتو!
وليس الأمر مقتصرًا على الموز فقط، بل ينطبق على معظم أنواع الفواكه والخضروات، فغالبًا ما تبدو طازجة ومشرقة عند البائع، ولكن بمجرد وصولها إلى المنزل تبدأ في الذبول والتلف بسرعة، حتى قبل وضعها في الثلاجة.
إذن، ما هو السر الذي يستخدمه باعة الفواكه والخضروات للحفاظ على نضارة المنتجات لفترة أطول؟ وهل يمكننا تطبيق هذه الأساليب في المنزل للحفاظ على الفواكه والخضروات طازجة لأطول فترة ممكنة؟
لفهم كيفية احتفاظ الفواكه والخضروات بنضارتها عند البائع مقارنة بسرعة تلفها في المنزل، يجب أولًا معرفة السبب الرئيسي وراء فسادها، وهو "غاز الإيثيلين".
تنتج معظم أنواع الفواكه والخضروات غاز الإيثيلين بكميات متفاوتة خلال جميع مراحل نموها، بدءًا من كونها خضراء وغير ناضجة حتى تصل إلى مرحلة النضج الكامل.
عندما تكون الثمرة غير ناضجة، يساعد غاز الإيثيلين على تنشيط الإنزيمات داخلها، مما يؤدي إلى تكسير جدران الخلايا، وهذا يجعل قشرتها الخارجية أكثر ليونة، في الوقت نفسه يقل محتوى النشا داخل الثمرة، بينما تزداد نسبة السكر، مما يؤدي إلى نضجها واكتسابها مذاقًا أكثر حلاوة.
لكن المشكلة تكمن في أن إنتاج الإيثيلين لا يتوقف عند مرحلة النضج، بل يستمر بمعدل متزايد ومع استمرار انبعاثه، تستمر الثمرة في النضج بشكل مفرط، حتى يصبح غلافها الخارجي طريًا جدًا وغير قادر على حماية محتواها، مما يؤدي في النهاية إلى تلفها بسرعة.
ليست كل الفواكه متشابهة عندما يتعلق الأمر بإنتاج غاز الإيثيلين، حيث تنقسم إلى نوعين رئيسيين:
وهي الفواكه التي تنتج كميات كبيرة من الإيثيلين، خاصة عند اقترابها من مرحلة النضج. تتميز هذه الفواكه بقدرتها على الاستمرار في النضج حتى بعد قطفها، لأن الإيثيلين يستمر في العمل داخلها. ومن أمثلتها:
- الموز
- التفاح
- البطيخ
- الخوخ
- الكيوي
لهذا السبب، إذا اشتريت موزًا أو تفاحًا غير ناضج، يمكنك تركه في درجة حرارة الغرفة ليكمل نضجه بفضل تأثير الإيثيلين.
على عكس الفواكه المناخية، تنتج هذه الفواكه كميات قليلة جدًا من الإيثيلين، مما يعني أن عملية النضج تتوقف تقريبًا بمجرد قطفها من الشجرة. ومع ذلك، إذا تعرضت لمستويات عالية من الإيثيلين من مصادر خارجية (مثل وضعها بجانب فاكهة مناخية ناضجة)، فقد تواصل النضج بسرعة وتفسد. ومن أمثلتها:
- الأناناس
- العنب
- البرتقال
- اليوسفي
- الليمون
على الرغم من أن معظم العاملين في تجارة الفواكه والخضروات لم يدرسوا علميًا كيفية عمل غاز الإيثيلين، إلا أنهم يكتسبون خبرة كبيرة من خلال الممارسة، مما يجعلهم محترفين في الحفاظ على جودة المنتجات لأطول فترة ممكنة.
يعتمد التجار على فهم عملي لخصائص الفواكه، خصوصًا الفواكه المناخية مثل الموز، الذي يمكن أن يواصل النضج بعد قطفه بسبب إنتاجه العالي للإيثيلين.
لهذا السبب، يتم قطف الموز قبل نضجه بأسابيع، وهو لا يزال أخضر تمامًا وغير صالح للأكل. هذه الطريقة تمنح التجار وقتًا كافيًا لنقله من مكان لآخر أو حتى من بلد إلى أخرى دون أن يفسد.
بمجرد وصول الموز إلى وجهته، يتم تخزينه في غرف خاصة تُعرف باسم "التبريد" أو "الثلاجات". ولكن هذه الغرف ليست ثلاجات تقليدية كما نستخدمها في المنازل، بل هي أماكن ذات درجة حرارة ورطوبة محسوبة بدقة لإبطاء عملية النضج وإبقائه أخضر لأطول فترة ممكنة.
عندما يحتاج البائع إلى بيع الموز، لا يخرجه كله دفعة واحدة، بل يقوم بعملية تُعرف بـ "تسوية الموز"، وذلك عبر:
تغليف صباطات الموز ببطانية أو وضعها في أكياس بلاستيكية لبضعة أيام، مما يساعد على احتباس غاز الإيثيلين حولها وتسريع تحولها إلى اللون الأصفر.
إذا قام البائع بترك كل الموز لينضج في وقت واحد، فسيواجه مشكلة كبيرة، حيث سيفسد بسرعة قبل أن يتمكن من بيعه بالكامل. لذلك، يعتمد على إخراج الكميات المطلوبة فقط كل يوم لضمان توفر الموز الطازج دائمًا في متجره، بينما يبقى المخزون الأخضر محفوظًا لفترة أطول.
في محلات الفواكه والخضروات، لا يتم ترتيب المنتجات بشكل عشوائي أو لمجرد المظهر الجمالي، بل يتم تنظيمها بناءً على مستويات انبعاثات الإيثيلين لتجنب التلف السريع لبعض الأنواع.
لا يُفضل وضع التفاح بجانب المانجو، لأن التفاح ينتج كميات كبيرة من الإيثيلين، مما قد يسرع نضج المانجو ويفسدها.
لا يجب وضع الطماطم بجانب الليمون، لأن الطماطم من الفواكه المناخية التي تنتج الإيثيلين، وقد يؤدي ذلك إلى تسريع تلف الليمون.
الموز من أكثر الفواكه حساسية للإيثيلين، فهو ينتجه بكميات كبيرة ويتأثر به بشدة في الوقت نفسه، مما يجعله أشبه بقنبلة موقوتة من حيث سرعة النضج والفساد. لذلك، تجد معظم الباعة يحرصون على:
- وضع الموز بعيدًا عن بقية الفواكه والخضروات.
- تعليقه لمنع احتكاكه بأي شيء آخر، مما قد يزيد من معدل إنتاج الإيثيلين.
الفواكه المناخية مثل التفاح عندما تتعرض للخدوش أو التلف تبدأ بإنتاج الإيثيلين بمعدلات أعلى بكثير، مما قد يؤدي إلى تلف باقي الفواكه المحيطة بها بسرعة كبيرة.
لهذا السبب، تجد أن بعض أنواع التفاح المستورد أو الفاخر يتم تغليف كل ثمرة على حدة داخل ورقة أو شبكة واقية داخل الكرتونة، لمنع انتشار الإيثيلين الزائد إلى الثمار المجاورة.
بعد أن عرفنا كيف يحافظ التجار على منتجاتهم، يمكننا تطبيق بعض الأساليب في المنزل لضمان بقاء الفواكه والخضروات طازجة لأطول فترة ممكنة.
الكثير منا يضع جميع الفواكه والخضروات معًا دون التفكير في تأثير الإيثيلين، وهو ما يؤدي إلى سرعة فسادها. لذا: لا تخلط الفواكه المنتجة للإيثيلين مع الفواكه الحساسة له، مثل:
- لا تضع التفاح بجانب المانجو.
- لا تضع الطماطم بجانب الليمون.
- الموز يجب أن يكون بعيدًا عن جميع الفواكه، ويفضل تعليقه.
- لا تحتفظ بالخضار في أكياس بلاستيكية مغلقة، لأنها تحبس الرطوبة وتسرّع عملية التلف.
- تجنب جرح الفواكه والخضروات أثناء النقل أو التخزين، لأن أي خدش يؤدي إلى زيادة إنتاج الإيثيلين
الفاكهة والخضروات لا تحتاج دائمًا إلى البرودة، بل يعتمد الأمر على نوعها. محلات الخضار تستخدم المراوح للحفاظ على درجة حرارة مناسبة، ونحن في المنزل يجب أن نعرف أين نضع كل منتج:
الخضروات التي لا يجب وضعها في الثلاجة:
- البصل، البطاطس، والثوم: يجب تخزينها في مكان جاف، مظلم، وجيد التهوية، حيث يمكن أن تبقى صالحة لأشهر دون الحاجة للتبريد.
- البطيخ: لا يجب تبريده إلا بعد تقطيعه.
الخضروات التي تفسد في التلاجة:
الخيار: يذبل بسرعة في الثلاجة، والأفضل حفظه في مكان جاف مع وضع قطعة قماش أو منديل ورقي تحته لامتصاص الرطوبة.
الفواكه التي تحتاج التبريد بعد النضج فقط:
الأفوكادو، المانجو، والتفاح يمكن تركها في درجة حرارة الغرفة حتى تنضج، ثم وضعها في الثلاجة لإبطاء عملية التلف.
في السوبر ماركت الكبيرة، يتم استلام الفواكه والخضروات وهي لا تزال غير ناضجة، ثم يتم تخزينها في مخازن خاصة حيث يتم التحكم في كمية الإيثيلين التي تتعرض لها، مما يساعد على نضجها بالتدريج.
يتم إخراج الكميات المطلوبة فقط يوميًا، ثم تعريضها لنسب دقيقة من الإيثيلين للوصول إلى مرحلة النضج المثالية قبل وضعها على الأرفف.
لهذا السبب، عند زيارة السوبر ماركت نجد الفواكه تبدو وكأنها مقطوفة حديثًا، رغم أنها قد تكون مخزنة منذ أسابيع! كل ما في الأمر أن المتاجر الكبرى تتحكم بذكاء في عملية النضج، مما يتيح لها تقديم منتجات طازجة طوال الوقت.
- افصل الفواكه والخضروات حسب حساسيتها للإيثيلين.
- لا تخزن كل شيء في الثلاجة، بعض الخضروات تحتاج للهواء الجاف.
- احفظ الموز معلقًا، والخيار بعيدًا عن البرودة.
- لا تضع المنتجات في أكياس بلاستيكية مغلقة حتى لا تحبس الرطوبة.
- تجنب خدش أو جرح الفواكه والخضروات أثناء التخزين والنقل.
باستخدام هذه الطرق البسيطة، يمكنك الحفاظ على طعامك طازجًا لفترة أطول وتقليل الهدر في المنزل!