علماء اللغة قاموا بتقسيم اللغات المنطوقة والمكتوبة إلى تقسيمات كثيرة، والمهم من هذه التقسيمات جميعها هو نوع واحد فقط يشتمل على اللغات المنقرضة أو الميتة.
هذا القسم ينقسم إلى فرعيين آخرين، الفرع الأول اللغات المنقرضة المفهومة والمتوفر عنها معلومات مثل اللغة الهيروغليفية.
اللغة المصرية القديمة على الرغم من اندثارها وعدم استخدامها حاليًا إلا أنها بالنسبة للمتتخصصين لغة مفهومة، لكن الفرع الثاني من اللغات المنقرضة هو القسم الذي يضم اللغات غير مفهومة أو ذات شفرات غير محلولة.
ونموذج على هذا النوع من اللغات هي الكتابة السندية التي كانت توجد في حضارة وادي السند، وبالنسبة للغة السندية فالعلماء إلى وقتنا الحالي غير قادرين على قراءتها بصورة سليمة وصحيحة،
لكنها في نفس الوقت ليست لغة غامضة ومجهولة، فعلى الرغم من صعوبة قراءتها إلا أنها معروفة الأصل والمنطقة الجغرافية التي كانت تتواجد بها قديمًا ومن كان يستخدمها ومتى انقرضت.
بل أن الكتابة السندية على سبيل المثال تمكن العلماء من خلالها معرفة ٣٠٠ كلمة ويرجع ذلك إلى أن هذه الكلمات متشابهة مع كلمات أخرى مثلها في اللغات الهندية الآرية القديمة.
ولذلك عند القول إن هناك لغة مجهولة الشفرة هذا لا يعني أبدًا أنها لغة غامضة أو على الأقل هذا ما كان متفقًا عليه بالنسبة للمهتمين بدراسة اللغات والمخطوطات إلى عام ١٩٦٩.
المخطوطة الغامضة "مخطوطة فوينيتش"
هذا العام الذي اكتشف فيه العلماء المخطوطة الأولى الذي تستحق لقب "المخطوطة الغامضة" بكل جدارة، اللغة المكتوبة بها هذه المخطوطة تمت دراستها لمدة تزيد عن الـ ٥٠ عامًا ، لكن بغض النظر عن الدراسة التي أجريت عليها سواء من الشرق أو الغرب فالنتيجة كانت دائمًا واحدة وهي الخروج من الدراسة بـ صفر معلومات.
جميع علماء الشفرة والمخطوطات بلا استثناء قد فشلوا فشلًا ذريعًا في تفسير ولو حتى حرف واحد من هذه المخطوطة، بل أن الحكايات لم تتوقف عند هذا الحد فقط، بل أن أوراق المخطوطة نفسها تفننت في تقديم تشكيلة من المفاجآت المُرعبة.
المخطوطة العجيبة المذكورة هي "مخطوطة فوينيتش" (Voynich Manuscript) هذا الاسم المعتمد لها بعيدًا عن أي لقب آخر اكتسبته على سبيل الشهرة مثل "مخطوطة الغموض" أو "مخطوطة الشيطان".
مخطوطة فوينيتش - (Voynich Manuscript)
عُرف عن هذه المخطوطة لأول مرة في العصر الحديث عام ١٩٦٩، في هذا الوقت كان تاجر للكتب القديمة يسمّى (Hans Kraus) تبرع بها لمكتبة نيويورك العامة، وقد أشترى هانز هذه المخطوطة ضمن مجموعة من الكُتب القديمة.
كانت كل المجموعة من ورثة الكاتب وجامع التحف وخبير اللغات "ويلفريد فوينيتش" (Wilfrid Voynich)، كان فوينيتش هو أكثر الأشخاص احتفاظًا بهذه المخطوطة في العصر الحديث، حيث ظلت معه منذ عام 1912 إلى أن مات عام 1930.
ومن بعدها ظلت المخطوطة محفوظة داخل منزله مع ورثته إلى عام 1961 عندما اشتراها (Hans Kraus)، وهذا هو السبب الذي جعل المخطوطة تُسمى أو تُعرف باسم "مخطوطة فوينيتش" بمناسبة أنه أكثر الأشخاص الذي احتفظ بهذه المخطوطة، وحتى لا تتضارب المعلومات فإن فوينيتش تُنسب له المخطوطة فقط، أي أنه ليس هو من كتبها أو تمكن من تفسير حرف منها.
عندما أشترى (Hans Kraus) هذه المخطوطة كان يعلم أنها تحتوي على شيئ مميز، فالإضافة لخبرته الكبيرة في شراء وبيع الكتب القديمة قد سبق وعلم بقصة عن هذه المخطوطة من الورثة، فقد عرف أن ويلفريد فوينيتش قد اشتراها من روما بالإضافة إلى حديث فوينيتش عنها لأسرته وعن لغتها الغامضة المكتوبة بها.
بل كان هناك اشاعات عن هذه المخطوطة بأنه تمت كتابتها بواسطة الشيطان، ولذلك كان (Hans kraus) يأمل في صفقة كبيرة لبيع هذه المخطوطة، لكن ما حدث أن هذه المخطوطة بقيت عنده لمدة ٨ سنوات غير قادر على بيعها، ومن بعدها لم يكن يعلم أحد سبب تبرعه بها للمكتبة العامة.
بعدما قام كراوس بالتبرع بالمخطوطة للمكتبة العامة جاء الوقت لفرز مجموعة الكتب التي تم التبرع بها ووضع كل كتاب في القسم الخاص به، لكن عندما اطلع الموظف المسؤول عن المخطوطة لم يكن على علم بالمكان المراد وضعها فيه.
ومن هنا قام بعرض المخطوطة على موظف مسؤول أعلى منه ليساعده في وضع المخطوطة، لكن حدث معه ما حدث مع المسؤول الأول، ومن ثم عرضوها على مسؤول أعلى منهما واستمرت هذه السلسة مستمرة إلى أن قرروا إرسالها إلى مكتبة (beinecke library) في ولاية كونيتيكت (Connecticut).
والسبب في ذلك أن هذه المكتبة تحديدًا متخصصة في المخطوطات والكتب النادرة، لكن في الحقيقة التخصص لم يكن فارقًا في الموضوع، وكما حدث سابقًا تنتقل المخطوطة من مسؤول إلى مسؤول أكبر وفي النهاية عجز الجميع عن تفسيرها.
ومن هنا قام مدير مكتبة (beinecke) بالتبليغ عن هذه المخطوطة لوكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة (national security agency)، وبمجرد وصول المخطوطة إلى مقر وكالة الأمن القومي قاموا باستدعاء المتبرع بهذه المخطوطة وهو هانز كراوس وسؤاله من أين حصلت على هذه المخطوطة.
ومن هنا التقى هانز كراوس بالمسؤولين وشرح القصة كاملة حول هذه المخطوطة،وأنه قام بشرائها مع مجموعة من الكتب القديمة من ورثة فوينيتش وبالفعل عند التأكد من صحة كلامه تم إطلاق سراحه.
في هذه الفترة وأثناء البحث والدراسة حول مخطوطة فوينيتش، أخيرا تم التوصل لمعلومة عنها، مع إجراء التحليل الكربوني لورق المخطوطة تبين أنه تمت كتابتها بين الفترة 1450 - 1500 م أي أنها ليست مخطوطة قديمة جدًا.
ما هي مخطوطة فوينيتش؟
بغض النظر عن اللغة والرموز الغريبة المكتوبة بها مخطوطة فوينيتش، تحتوي كل صفحة من صفحاتها على رسومات وأشكال هندسية أو فلكية، يوجد فيها صورًا لمخلوقات تمارس طقوسًا معينة ومجموعة من النباتات والأعشاب الغريبة، والغريب أن هذه المجموعة من النباتات والأعشاب جميعها لا تنتمي لأي عالم من علماء النباتات أي أنها نباتات ليست موجودة في الواقع.
واحدة من الأشياء التي لاحظها الباحثون في المخطوطة أنه على الرغم من أن المخطوطة لا تحتوي على فهرس يؤكد عدد صفحاتها إلا أنه من الواضح وجود صفحات تنقص هذه المخطوطة وبما أنه تم تأريخ المخطوطة في القرن الخامس عشر أو السادس عشر فيعتقد الباحثون أن المخطوطة تتعلق بأعمال السحر وذلك لأن هذين القرنين أكثر القرون المشهورة بأعمال السحر والشعوذة.
وحاليًا يستعين الباحثون بالذكاء الاصطناعي وبرامج الحاسوب لمساعدتهم في فك شفرة المخطوطة وإلى وقتنا الحالي لم يتوصلوا لشيء.
تفسير مخطوطة فوينيتش (مخطوطة الغموض)
بالنسبة للفرضيات التي تحاول تفسير لغة الكتابة لمخطوطة فوينيتش فهي تنحصر في ثلاث فرضيات أساسية :
- الافتراض الأول : إن اللغة المكتوبة بها المخطوطة هي لغة منقرضة كان يستعملها مجموعة محلية من الناس ولم تكن مشهورة بين الكثير من الناس ولذلك لا يوجد أحد على قيد الحياة يعلم هذه اللغة.
- الافتراض الثاني : هو أن المخطوطة بأكملها عبارة عن شفرة سرية تم تصميمها لتحجب المعنى الحقيقي المقصود منها سواء من الكلمات أو الرسومات.
- الافتراض الثالث : هي أن المخطوطة غير حقيقية عبارة عن خدعة، شخص قام بإحضار مخطوطة وكتب بداخلها أي شيء على أمل الكسب من ورائها.
فهناك فريق من الباحثين قام باتهام فوينيتش أنه صاحب هذه الخدعة وطبعًا إحضار الخامات المطلوبة لعمل المخطوطة ليست بالمهمة الصعب على خبير في التحف والمخطوطات مثل فوينيتش، فليس من المستبعد أن فوينيتش اختلق هذه القصة من أجل بيعها بثمن باهظ.