مع دخول العصر الحديث بعد الثورة الصناعية وبعدها بدأ ظهور التطور التكنولوجي بصورة كبيرة، حيث بدأ العالم في التغير وأخذ مُنحنى اخر، ومن هذه التطورات هي الأقمار الصناعية، ومن وظائفها أنها تُمشط الكوكب وتظهر كل ما يحتويه سطحه.
لكن بالرغم من ذلك هناك أماكن إلى وقتنا الحاضر لا نعرف عنها شيئًا حتي إذا كان هذا بإستخدام الأقمار الصناعية، ومن ضمن هذه الأماكن هي مدينة كاملة تمكنت الحكومة الأمريكية من إخفائها تمامًا عن العالم الخارجي، والمُلفت في الأمر أنه يوجده عدد كبير من البشر بسكن هذا المكان، والذين يبلغ عددهم 75,000 نسمة.
المدينة السرية أوك ريدج (Oak Ridge)
بلدة أوك ريدج (Oak Ridge) والمعروفة بإسم المدينة السرية تم تأسيسها من قبل الحكومة الأمريكية في عام 1942م في ولاية تينيسي (Tennessee)، لتكون قاعدة رئيسية لمشروع مانهاتن (Manhattan Project)، كانت توجد هذه المدينة بالفعل مثلها كمثل بقية المُدن الاخرى قبل التخطيط لمشروع مانهاتن.
مشروع مانهاتن (Manhattan Project) هو مشروع بحثي عن صناعة وتطوير الأسلحة النووية للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية، في الفترة ما بين 1940 - 1946 م.
إختارت الحكومة الأمريكية هذه المدينة نظراً لموقعها البعيد عن السُكان المحليين للولاية في ذلك الوقت، وليكون المكان المُناسب لإقامة المشروع كانت الحكومة الأمريكية مضطرة لبناء مدينة ثانية في حيز المدينة من الصفر، لكي تسع عدد الموظفين المقيمين فيها أثناء فترة العمل.
في عام 1942م من شهر أكتوبر، أستيقظ ما يقرب الـ 1000 شخص من النوم ليجدوا ملاحظة على أبواب منازلهم تنص على أن الحكومة الأمريكية صادرت المنازل الخاصة بهم بالإضافة إلى الأراضي المبنية عليها، وأمامهم مُهلة لـ 6 أسابيع لإخلاء المكان.
وفي خلال 3 سنوات فقط من تأسيس المدينة واستيلاء الحكومة عليها، عدد السكان داخلها زاد بشكلٍ ملحوظ، لدرجة أنه زاد من 3000 إلى 75,000 نسمة، والمدينة كانت تعتبر مدينة كاملة وترفيهية بالرغم ما يحدث على أراضيها، حيث كان سكانها على علم بحدوث شيئًا غير طبيعي خلف أسوار المدينة.
لكنهم لم يكونوا يعلمون ما الذي يحدث بالظبط، وعلى حب وصفها كانت المدينة مُبهجة بشكلٍ كبير، كانت تضم منازل مريحة للسكان وحمامات سباحة ومكتبة بالإضافة إلى عدد 12 محل من البقالة ومتاجر وأسواق ومطاعم وحتى فرق رياضية كغيرها من الُمدن الأمريكية الاخرى، على الرغم من كونها المطبخ الأول الذي تم فيه صناعة أقوى سلاح فتاك عرفتها البشرية.
الحماية المشددة على المدينة أوك ريدج
على الرغم من الرفاهية الموجودة في المدينة إلا أن أجوائها كانت مشحونة، وفي لحظة مُعينة زادت الحكومة الأمريكية الحراسة الُمشددة داخل وخارج أسوار المدينة، بالإضافة إلى إحاطتها بأسوار وأسلاك شائكة عملاقة.
ومن ثم بدأت الحكومة الأمريكية استخدام كميات كبيرة جداً من الكهرباء، والتي كانت تعادل نفس كميات الكهربة الُمستخدمة في نيويورك بأكملها، ويرجع هذا بسبب الآلات والمصانع البحثية التي م إنشائها سراً داخل المدينة، بالإضافة إلى أن في ذلك الوقت كان هواء المدينة سامًا بسبب التجارب الجارية على العناصر المُشعة لصناعة القنبلة النووية الأولى.
ولكي يبقي الوضع طبيعيًا داخل المدينة، قررت الحكومة الأمريكية دفع مبالغ إضافية لسكان المدينة حتي يتمكنوا من العيش في ظل هذه الظروف الصعبة، فكان الموضوع سريًا لدرجة أن نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وقتها لم يكن يعرف بوجوده.
بل أن حتي تم إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما لم يكن هناك أحد خارج المدينة يعلم شيئًا عن المشروع المُنفذ أو القنبلة عدا قلة مُختارة بعناية من قبل الحكومة الأمريكية، والطريقة التي استخدمتها الحكومة لكي تحافظ على سرية المدينة تم وصفها بأنها طريقة بارعة وماكرة لاخفاء عملية سرية خطيرة بهذا الشكل.
السرية التامة في البلدة لتنفيذ المشروع
التكنولوجيا المستخدمة في مدينة أوك ريدج وقتها، لم تكن مُماثلة لأي تكنولوجيا اخرى موجودة في العالم، والمنازل السكنية الموجودة تم التخطيط لها وبنائها خارج المدينة وبعد ذلك تم نقلها إلى داخل المدينة، لتقلل الحكومة قدر الإمكان عدد عُمال البناء الذين سوف يدخلون إلى المدينة نفسها، حيث من الممكن أن يعلم أحدهم ما يحدث داخل هذه المدينة.
بالإضافة إلى أن رسائل البريد الواردة والصادرة للمدينة كان يتم فحصها بعناية حتي يتم التأكد من عدم تسريب أي معلومة خارج أسوار المدينة، ونظراً لأن عدد السكان الموجودين وقتها داخل المدينة بلغ 75,000 نسمة، فقد منعت الحكومة معلومات كثيرة جداً عن الأشخاص الموجودة داخل المدينة وقتها.
90 شخص فقط من أصل 75,000 نسمة يعرف عن المشروع
عمال البناء بالإضافة إلى بعض الموظفين على الآلات كانوا لا يعلمون ما هو الغرض من هذه الوظيفة، ووفقاً لبعض التقديرات، أن الأشخاص التي كانت تعلم بما تفعله الحكومة لم يتجاوزوا الـ٩٠ شخص فقط، معظمهم كان من العلماء والفيزيائيين القائمين على المشروع وبعض أفراد الجيش.
حيث كان أغلب العاملين والموظفين الموجودين في المدينة وقتها والذين شاركوا في صنع القنبلة لم يعلموا عنها شيئًا إلا من الصُحف والجرائد بعدما تم إلقائها على هيروشيما، وكانت الإدارة حريصة جداً على أن كل موظف يكون لديه مهمة واحدة فقط يقوم بها ومنع الموظف من إخبار غيره من الموظفين عما يقوم بفعله في وظيفته.
وذلك حتي لا يتم ربط المعلومات ببعضها والوصول وكشف ما يحدث داخل المدينة، وكانت من ضمن المهام الغريبة المطلوبة من أحد الموظفين داخل المدينة هي حمل آلة مُعينة وتمريرها على ملابس العُمال ليسمع إذا كان هناك صوت من الطقطقة ليبلغ عنها، حيث لم يكن يعلم هذا الموظف الدور التي تقوم به الآلة، وهو التأكد من وجود اشعاع باستخدام عداد جايجر (Geiger counter).
بالإضافة إلى كافة هذه الاحترازات المشددة، كان ظباط الأمن في المدينة إذا قد عثروا على مجموعة مكونة من أكثر من 7 أشخاص كان يتم استجوابهم على الفور، فإذا ثبت وجود تسريب لأي معلومة خارج أسوار المدينة أو حتي في بعض الحالات داخل المدينة، كان يتم الحكم على الشخص المُتسبب في هذا التسريب لمدة 10 سنوات أو تغيرمه مبلغ مالي يُقدر بـ 100,000 دولار أمريكي.
وحتي تضمن الحكومة ولاءهم وعدم تسريبهم أي معلومات عن المشروع، كانت الحكومة دائمًا تُذكرهم بالوطنية والانتماء وما إلى هذا، وأيضًا التذكير بمصيرهم إذا خسروا هذه الحرب من باب الترهيب.