إذا طلبت منك أن تذكر صفة واحدة من صفات الآثار، ستكون إجابتك في الأغلب أنها قديمة أو لا تقدر بثمن أو مصدرًا للفخر أو الهوية للبلاد، لكن من المستحيل أن يراود ذهنك أبداً أن تكون بدائية، وعلى الرغم من أن الآثار قديمة جداً إلا أن يوجد إتفاق ضمني بين الناس على أن الآثار ليست بدائية، وفي الحقيقة هذا الاتفاق لم يأتي من العدم.
اكتشافات أثرية متطورة .. وجودها ليس له تفسير
بعض الاكتشافات الأثرية كانت في بداية اكتشافها مُحيرة جداً للعلماء، والسبب في ذلك يرجع إلى أنها تسبق عصرها بمئات السنيين بل أن وجودها عبارة عن لغز كبير يسعى العلماء لحله إلى وقتنا الحالي.
خطوط نازكا - (Nazca Lines)
إذا سافرت في يومًا من الأيام إلى ليما (Lima) عاصمة جمهورية البيرو (República del Perú) والقيام بتجربة السفاري داخل الصحراء هناك، فحذارٍ من العبور على أي خط من الخطوط المرسومة على الأرض لأنه يوجد احتمال كبير أن تكون آثار تابعة للدولة.
وإذا كنت مندهشًا كيف لخط مرسوم داخل الصحراء أن يتم اعتباره آثارًا، دعني أخبرك أنك تنظر إليه من المكان الخاطئ، إذا ركبت طائرة ونظرت إلى هذا الخط من الأعلى ستشاهد أحد هذه المناظر، وهي رسومات مُذهلة وجزء من خطوط نازكا (Nazca).
خطوط نازكا هي مجموعة متنوعة من الرسوم التصويرية والخطوط المستقيمة والأشكال الهندسية، التي قامت برسمها حضارة نازكا القديمة على السهل البيروفي منذ ٢٠٠٠ عام، وللوهلة الأولى من الممكن أن تقول ماهو التقدم في بعض الرسومات المرسومة على الأرض؟
لكن عند تدقيق النظر إلى هذه الرسومات ستتعرف على الفور أنها غير عادية بالمرة، خطوط نازكا هي خطوط ضخمة جداً لدرجة أن بعض الخطوط المستقيمة منها يصل طولها إلى ٤٨ كيلومتر، بالإضافة إلى الحيوانات والطيور التي تصل أطوالها إلى ٣٧٠متر.
ليس ذلك فقط، بعض الرسومات تم رسمها بطريقة معينة بحيث يكون كل نصف من الرسمة مطابقًا للنصف الآخر تماماً، وعند الأخذ في الاعتبار أحجام هذه الرسومات حيث من الصعب أنه تم رسمها بواسطة معدات بدائية.
أول جهاز حَاسُوب في التاريخ - انتيكيثيرا (Antikythera)
عام ١٩٠١ م بالقرب من جزيرة انتيكيثيرا اليونانية (Antikythera Greek island) أكتشف مجموعة من الصيادين حُطام لسفينة قديمة، هذا الحطام كان يحتوي على كنز مُذهل من التماثيل البرونزية والتي يعود تاريخ تصنيعها إلى أكثر من مائة عام قبل الميلاد.
لكن وسط هذه التماثيل كان يوجد صندوق خشبي مُغطى أغلبه بطبقة من الكلس (Lime Material) جذب انتباه الصيادين، شكل الصندوق والنقوش المرسومة عليه قد حيرت الصيادين لكنه لم يُحير الصيادين فقط بل حير العلماء لسنوات طويلة.
في بداية إكتشاف الصندوق كانت جميع الدراسات القائمة عليه باءت بالفشل ويرجع السبب إلى ذلك المياه المالحة التي تسببت في تلف أجزاء كبيرة منه، بالإضافة إلى الطبقة الكلسية التي أحاطت الصندوق بالكامل جعلت معرفة وظيفته أمرًا شبهًا مستحيلًا.
في سبعينيات القرن الماضي ومع إستخدام تقنية التصوير بالأشعة السينية أثار هذا الصندوق جدلًا واسعًا حول العالم، هذا الصندوق كان ببساطة أو جهاز حاسوب في التاريخ، الصندوق الخشبي هذا كان مُجرد وعاء لآلة مصنوعة من البرونز محفوظة بداخله.
هذه الآلة تحفة هندسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، صور الأشعة قد أظهرت مجموعة مُكونة من ٣٠ ترس ذات أحجام وأشكال مختلفة تتصل جميعها ببعضها بطريقة مخصصة كـ تروس الساعات، بالإضافة إلى ذراع يرتبط بهذه التروس يخرج من جانب الآلة.
حيث كانت وظيفته تشغيل الآلة نفسها، بالإضافة إلى وجهين من الأمام والخلف يوجد عليهم نقوش وعبارات وأحرف وأرقام.
الوجه الأمامي لآلة أنتيكيثيرا (Antikythera mechanism) هو بمنزلة الشاشة في أجهزة الحواسيب الحديثة، وعلى الرغم من بساطة مكوناته إلا أنه يرسم صورة كاملة عن الآلة واستخداماتها وتصور الاغريق عن الكون في هذا الوقت.
كان الوجه الأمامي نموذج مُصغر من الكون حسب اعتقاد الاغريق، وفي هذا النموذج الأرض هي مركز المجموعة الشمسية تدور حولها الشمس والقمر والخمسة كواكب المعروفة وقتها وهم (عطارد - الزهرة - المريخ - المشترى - زحل)
مواقع هذه الكواكب ومداراتها كانوا واضحين بدقة عالية جداً، لدرجة أن القمر المرسوم داخل الآلة كان يتحرك في مدار إهليلجي ليس دائري مطابق تمامًا لشكل مداره الحقيقي، أما بالنسبة للمُستطيلين الموجودين أعلى وأسفل نموذج المجموعة الشمسية، فهما عبارة عن وَصف كِتابي مُفَصَل للتجمعات النَجمية التي تعرف الآن بإسم الأبراج.
وَجه الآلة الخلفي لا يقل أهمية عن الوجه الأمامي، الوجه الخلفي لآلة انتيكيثيرا ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول عبارة عن مجموعة من الدوائر مُتحدة المركز مكتوب عليها التقويم المصري القديم، وهذا التقويم يتكون من 12 شهر جميعهم يحتوون على ٣٠ يوم، وفي النهاية يتم إضافة ٥ ؟ أيام حتي يصبح المجموع ٣٦٥ يوم.
القسم الثاني عبارة عن مجموعة من الدوائر مُقسمة إلى ٢٢٣ قسم، كل قسم في هذه الأقسام يُعبر عن شهر قمري، ووظيفة هذه الدوائر هي التنبؤ بمواعيد وأشكال كسوف الشمس وخسوف القمر.
ولكن السؤال المطروح هُنا، كيف للاغريق رغم تصورهم الخاطئ عن شكل الكون كانوا يتوقعوا تواقيت وأشكال كسوف الشمس وخسوف القمر، والإجابة على هذا السؤال يتلخص حول دورة ساروس (saros series).
دورة ساروس هي عبارة عن فترة مكونة من ٢٢٣ شهر قمري، أو بالتحديد ١٨ سنة و ١١ يوم و٨ ساعات، في نهاية كل دورة الشمس والقمر والأرض يرجعوا لنفس أماكنهم تقريباً، فبالتالى الأحداث الفلكية التي لها علاقة بحركة الشمس والأرض والقمر مثل الكسوف والخسوف.
تتكرر مرة آخرى كل دورة، معنى ذلك إذا حدث للشمس كسوف حلقي اليوم فبعد ١٨ عام و ١١ يوم تقريباً سوف يحدث كسوف حلقي للشمس.
وأخيراً بعد معرفة كل هذه التفاصيل عن آلة انتيكيثيرا، هل لديك تفسير كيف تم صناعة هذه الآلة منذ ٢١٠٠ عام ؟، فالعلماء يعتقدوا أن صناعة آلة بهذا التعقيد في هذه الفترة ما قبل الميلاد، أو حتى بعد الميلاد بـ ١٠٠٠ عام أمرًا أشبه بالمعجزة.
بطارية بغداد - Baghdad Battery
حضارة بلاد الرافدين هو اسم يُطلق على الحضارة التي قامت على الأراضي مابين نهرَي دجلة والفُرات، وهي تُعتبر من أقدم الحضارات التي قامت على وجه الأرض، وعلى الرغم من قِدم الحضارة هذه إلا أنها كانت واحدة من أكثر الحضارات تقدماً في تاريخ البشرية.
انجازات هذه الحضارة سواء كانت هندسية أو فنية أو حتى علمية، تبقى عادية جداً عند مقارنتها بهذه الجَرَّة المصنوعة من الطين!، هذه الجَرَّة من المحتمل إنها تكون أول بطارية على مر التاريخ.
تعود القصة إلى عام ١٩٣٦ م، عندما تم إكتشاف مجموعة من الجَرَّات الطينية التي عُرفت فيما بعد بإسم بطارية بغداد (Baghdad Battery) في قرية خوجات رابو بالقرب من العاصمة العراقية، في بداية إكتشاف الجَرَّات كانت غير مثيرة للاهتمام.
حيث كان اعتقاد المنقبين في ذلك الوقت أنها مجرد جَرَّات تُستخدم لحفظ أوراق البردي، لكن في عام ١٩٣٨ إكتشف عالم الآثار الألماني ويلهلم كونيغ (Wilhelm Konig) ما الذي كان تحتويه الجرات من الداخل، وهذا الاكتشاف أصاب العالم أكمله بالذهول.
كانت تحتوي الجرات على قضيب حديدي مُحاط بملف من النحاس، والاثنين محاطين بسائل حامضي من المحتمل أنه يكون خل أو نَ*بيذ،
ومن الأعلى تم عزل هذا القضيب الحديدي عن ملف النحاس بواسطة سدادة من الأسفلت، معنى ذلك ببساطة هو نفس مبدأ عمل البطاريات الحديثة، فالسائل الحامضي يسمح بمرور الأيونات من مَلَف النحاس إلى القضيب الحديدي بسبب فرق الجُهد.
وبالتالي ينشأ التيار الكهربي، وعلى الرغم من ضعف التيار الكهربي المُتولِد والذي قَدَره العُلماء بـ ١ فولت تقريباً، إلا أن وجود البطارية نفسها قبل إختراعها بواسطة العالم أليساندرو فولتا (Volta Alessandro) منذ حوالي ٢٠٠٠ عام، يوضح لنا نبذة ولو بسيطة عن مدى تقدم حضارة بلاد الرافدين.
توابيت سرابيوم - Serapeum of Saqqara
عام ١٨٥٠م كان عالم المَصريات الفرنسي أوجوست مارييت (Auguste Mariette) يحاول شراء مجموعة المَخطوطات الفرعونية ليتم عرضها في متحف اللوفر (Louvre Museum) باريس، لكن بعد عِدة أسابيع من البحث فشل في شراء أي مَخطوطة.
في ذلك الوقت قررا إستخدام الأموال الذي يمتلكها للتنقيب عن المخطوطات بنفسه، وأثناء عملية التنقيب التي كانت تتم بالقرب من هرم سقارة، أكتشف مارييت معجزة هندسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
هذا الاكتشاف كان عبارة عن مجموعة من الأنفاق والسراديب الشِبه دائرية محفورة داخل القلب الصخري لهضبة سقارة، هذه الأنفاق كانت تحتوي على مجموعة من الغرف كُل غرفة منهم تحتوي على تابوت من أجمل وأعجب التوابيت التي صنعها الفراعنة على الإطلاق.
التوابيت المعروفة الآن بإسم توابيت سرابيوم وهي توابيت ضخمة للغاية، حيث يتراوح ارتفاع الواحد منهم بين ٣ - ٤ أمتار يصل عرضها إلى ٢.٥ متر، بإلإضافة إلى أن جميع التوابيت تم صناعتها من أحجار الجرانيت.
الجرانيت واحد من الأحجار الذي يتمتع بالصلابة لدرجة أن قطعها بالآلات الحديثة يحتاج إلى وقت كبير على الرغم من قوة الآلات، بالإضافة إلى وزنها الكبير والذي يجعل وزن التابوت الواحد يصل إلى ٧٠ طن.
الغطاء الخاص بالتابوت يقترب وزنه إلى ٣٠ طن، ومن المستحيل دخول هذه الأوزان إلى الأنفاق الصغيرة الضيقة بواسطة المعدات البدائية الذي مان يمتلكها المصريين القدماء، وعند النظر إلى هذه التوابيت من الداخل تجد أنها منحوتة بإتقان تام وزواياها الداخلية والخارجية تبلغ الـ٩٠ درجة بالظبط.