ما هي قصة بلانش مونييه .. الفتاه التى تم حبسها 25 عام في قبو منزلها

قصة بلانش مونييه التي سجنت ٢٥ عام في قبو؟ 

بلانش

جميع البيوت فى عالمنا هذا تحتوي وتتضمن الكثير من الأسرار، الذي يحرص أهل البيت على كتمانها جيداً وبقائها سراً وهذا أمر طبيعى، لكن هناك البعض من الممكن أن تتطرف فى مسألة الحفاظ على أسرار بيتها وذلك عندما يشعر بالقلق أو يستشعر بخطر يهدد مكانته الاجتماعية، فقد تراها يبذل كل ما فى وسعه لكى يبقى ويحافظ على هذا الأمر سراً، حتى إذا إقترف أبشع التصرفات أو الأمور غير الأخلاقية.


رسالة من شخص مجهول


يعود موضوعنا لهذا اليوم إلى تاريخ ١٩٠١، وذلك عندما وصلت رسالة من مجهول إلى مكتب المدعى العام فى باريس وتتضمن، "سيدى النائب العام أنه من الشرف لي أن أقوم بإبلاغكم بوقوع حادثة خطيرة للغاية، وهي حادثة عن فتاة عانس تم حبسها في منزل السيدة مونييه جائعة تعيش على القمامة منذ ٢٥ عاماً مضت، بكلمة واحدة يمكن وصف الأمر أنها تعيش في قذارتها" .


كان الأمر في غاية الصعوبة على المدعى العام أن يصدق هذا الكلام الذي تضمنته الرسالة السابقة ، فإن السيدة "مونييه" كانت واحدة من وجوه المجتمع الباريسي الراقى، حيث كان زوجها "أميل مونييه" شخصاً بارزاً كان منصبه عميد كلية الفنون لسنوات كثيرة، حتى قبل وفاته أما ابنها مارسيل قد كان محاميًا محترمًا أمضى ردحا من حياته كمحافظ .


عائلة مونييه


حيث كانت عائلة مونييه نموذج مشرفاً للعائلة المثالية في فرنسا، فقد حصلوا على جائزة (العمل الجيد) فإن هذه الجائزة كانت تمنح للمواطنين الفرنسيين المتميزين ذات الفضائل والأخلاق السامية، حيث أن هذه العائلة تشتق من أحد أعرق العائلات الفرنسية النبيلة .


لكن الشائبة أو الغلطة الوحيدة لهذه العائلة، كان يتمثل في ابنتهم هي الفتاة بلانش فقد تم إختفاء هذه الفتاة من قبل ٢٥ عاماً، ولم يراها أحد إطلاقاً، حتى ما تم إذاعته بشأنها أنها قد أحبت شخصاً وقامت بالهرب معه وذلك لأن أهلها لم يوافقوا عليه، فإن هذه العائلة كانت تتجنب تماماً الحديث عن ابنتهم المفقودة فقد عاشت هذه العائلة حياتها وكأن لم يكن لهم ابنه تدعى بلانش .


لكن ابنتهم لم تكن الأمر الغامض الوحيد لهذه العائلة على مدى سنواتهم، كان يذاع قصص وحكايات عن هذه العائلة وأمور مخيفة تحدث بداخل منزلهم، هذه العائلة الذي كانت تسكن في أرقى بقاع باريس، فقد كان الخدم وبعض من زار هذه العائلة في بيتها أقسما بوجود أصوات غريبة ومخيفة من الصرخات والآهات تترد في جوانب المنزل الكئيب، ولكن لم يكن يعلم أحد مصدرها لذلك تم نشر شائعة وهو أن بيتهم مسكون بالأشباح.


حيث كانت هذه العائلة فوق الشبهات تمامًا، لكن المدعى العام كان يعلم بشأن ما يتردد بشأن منزلهم والأصوات الصادرة منه الذي لا يعرف أحد مصدرها وأيضاً إختفاء ابنتهم المفقودة، فقد قرر المدعى العام بإرسال البعض من المحققين ليحققوا في هذا الأمر والمعلومات الغامضة التي يتم تداولها.


تحقيقات رجال الشرطة الفرنسية


فقد تقدم رجال الشرطة إلى منزل هذه العائلة ومعهم أمر قضائياً بتفتيش منزلهم، مافعله رجال الشرطة بعد ذلك أنهم قاموا مسرعين بالتحقق من جميع أنحاء المنزل لعلهم يجدوا شيئًا غريبًا أو غير مألوف، حتى تمكنوا من الوصول إلى أحد الأبواب المغلقة فى الطابق العلوى وطلبوا من مالكيين البيت بفتح هذا الباب، ولكن كان رد الخادمين أن مفتاح هذا الباب مفقود.


فلم يكن أمام رجال الشرطة إلا فتح الباب بالقوة، وتمكنوا من فتح الباب حيث وجدوا أنفسهم وسط ظلام معتم والمكان ذات رائحة كريهة لا يمكن أن تطاق، وكأنهم دخلوا إلى قبر منذ سنين وبصعوبة ومشقة تمكن أحدهم من فتح نوافذ هذه الغرفة الذي كانت دامسة الظلام، الغريب أنه ما أن لمس الستائر بأصابعه حتى هوت أرضًا تحمل معها سيلا لاينتهي من التراب كأنها لم يتم فتحها منذ سنين.


بعد ذلك قام الظابط المسؤل يحدثنا عما حدث بعد ذلك في تقريره حيث كتب الآتى : 

"بمجرد أن أدخلنا الضوء إلى الغرفة بواسطة النافذة لاحظنا بوجود امرأة في نهاية الغرفة، وهي جالسة فوق سريرها وتقوم بتغطية رأسها  وجسدها بغطاء قذر، حيث تم التعرف عليها بأنها الآنسة بلانش المفقودة منذ زمن، المرأة المسكينة التي كانت تجلس دون ملابس على جسدها فوق سريرها من القش العفن، وما يوجد حولها من بقعة كبيرة (أكرمكم الله) من البراز وبقايا الطعام من لحوم وخضروات كانت متعفنة ووجود صدف محار، وأيضاً كان هناك حشرات تجرى فوق الفراش كان ينبعث من الهواء رائحة كريهة خانقة لا تطاق، بحيث لم نتمكن من البقاء في هذا المكان لفترة طويلة لإنهاء التحقيق"


اكتشاف لغز اختفاء بلانش مونييه


وهكذا تم إكتشاف اللغز الغامض وراء هذه العائلة واختفاء بلانش مونييه ومصدر الأصوات الغريبة الصادرة، فقد كانت ابنتهم التي زعموا أنها قامت بالهرب من أجل الزواج برجل كان مرفوض لعائلتها، إتضح بأنها لم تغادر منزلها منذ سنوات حيث كانت هذه الفتاه حبيسة في غرفتها تعيش وسط كومة من القمامة في ظلام معتم وكان جسدها وشعرها متسخاً وعظامها تكاد أن تفر من جسدها لشدة هزلها، حيث كانت تزن 25 كيلوجرام.


فقد كان منظر هذه الفتاة بشعاً ومرعباً، حيث ظن رجال الشرطة بأنها تحتضر وقاموا بلفها في غطائها وذهبوا بها مسرعين إلى المستشفى، لكن المستفز في الأمر أنه في هذه اللحظات كانت أمها تجلس في البهو الكبير وتقوم بتطريز قطعة من القماش غير مهتمة بما يجري حولها.


في المستشفى قام العاملين بتنظيف الفتاة وغسل شعرها حيث ذكر الممرضات أن بلانش كانت تشعر بسعادة عارمة حين لامس الماء جسدها وتنفست هواء نظيف، فقد قامت بالهمس كالأطفال وقالت "ما أجمل هذا"، وعلى الرغم من فرحتها بالماء فقد كانت تتهرب من الضوء وذلك لأنها ضلت حبيسة في الظلام الدامس لسنوات، فقد كان الأمر صعب عليها أن يواجه الضوء عيناها ويلامس بشرتها.


قد لاحظ الجميع بأنها كانت هادئة وسكينة جداً وتتكلم وتتحرك، وذلك على عكس ما تم تداوله من قبل أخيها مارسيل بأنها كانت هوجاء وشديدة العصبية وتغضب وتنفعل بسرعة.


حياة بلانش مونييه


أخذت قصة بلانش تتباين للشرطة والصحافة شيئاً فشيئاً، فقد كانت تعود خيوط القصة إلى عام ١٨٧٥، كانت تلك الفترة بلانش تعيش مع جدتها فقد كانت جدتها سيدة ذات قلب طيب إلى أبعد الحدود وتحب بلانش جدا وكانت أقرب لها من أمها، فالجدة هي من ربت بلانش وذلك لانشغال أمها حيث كان زوجها يصطحبها دائمًا معه إلى عمله في باريس.


كانت هذه الفترة هي الأحسن والأجمل في حياة بلانش، حيث كانت شابة حسناء في العشرينيات من عمرها شعرًا يحاكي الليل في سواده وعيون فاتنة تضاهى البحر في زرقتها وصفاءها فقد كانت بلانش فتاة ذكية، في يوم من الأيام تعرفت بلانش على محاميًا وسيم يكبرها في العمر بعدة سنوات وأحبته حبا جما، فلم يكن هذا المحامي خادعًا بل طرق البيت من بابه وتقدم لخطبة بلانش من أهلها رسمياً لكن كان الرد قاسي برفضه تمامًا من قبل والدها.


كان والد بلانش كاثوليكيًا من الطبقة النبيلة ومن دعاة الملكية، أما المحامى الشاب كان بروتستانتيا فقيراً من دعاة الجمهورية وبسبب فرق الطبقات والاختلافات الدينية والثقافية، لم ينل هذا الشاب أهل البنت بل قاموا بتطرده من منزلهم، فقد حاول هذا الشاب مرارًا وتكرارًا أن يخطب الفتاة ولكن في كل مرة كان جوابهم بالرفض القاسي.


رغم رفض ومعارضة أهل الفتاة لهذه الخطبة، قررت بلانش أن تستكمل علاقتها بذلك الشاب، ولأننا نتكلم عن أوروبا في القرن التاسع عشر لم تكن هناك الحرية الكاملة للفتاة عكس ما هو موجود اليوم.


فأخذت عائلة بلانش أن تقوم بتقييد حرية ابنتهم بمنعها من الخروج وتقييد رغباتها وتم هذا الأمر خصوصاً بعد وفاة جدتها، فهى من كانت تدللها وتسمع كلامها ، فصارت بلانش تستقبل الرسائل من حبيبها وتبادله حيث تقوم بتكوير الورقة ومن ثم رميها من خلال النافذة إلى حبيبها الذي كان يقف عند سور منزلها.


إستمر هذا الأمر لفترة من الوقت حيث في إحدى الأيام، سقطت رسالة ما عن طريق الخطأ داخل سور المنزل ومن وجدها هي والدة بلانش ومن هنا اكتشفت الأم ان علاقة ابنتها بهذا الشاب مستمرة.


حيث كان يخططون للهرب معاً كي يتزوجا بعيداً عن أنظار العائلة، فهذا الأمر جعل الأم غاضبة فقد قررت بمساعدة زوجها وابنها، أن يقوموا بحبس بلانش في غرفتها ومنعها من فتح اى نافذة، فقد توسلت الفتاة طالبة الرحمة منهم ، لكن لم يهتم منهم أحد فقد كانت مشاعرهم متصلبة كالحجارة.


ما حدث للفتاة بعد ذلك وفقاً لصحيفة التايمز في أحد أعدادها عام ١٩٠١ فكُتب الآتى "إن السنوات مرت مسرعة لم تعد بلانش فتاة شابة ففي أحد الأيام الشاب الذي أحببته بلانش قد مات فجأة عام ١٨٨٥.


طوال هذه السنوات كانت بلانش حبيسة داخل غرفتها المظلمة تتغذي على بقايا الطعام المتبقي على طاولة أمها، أنيس وحدتها كانت الفئران حيث كانت تشاركهم وتقاسمهم الطعام من كسرات الخبز اليابسة فقد عاشت في ظلام دامس.


في عام ١٨٨٢ قد مات والد بلانش لكن هذا الأمر لم يغير شيئا في حياة بلانش، فقد أصرت الأم بإبقاء ابنتها حبيسة في غرفتها المظلمة وقد زعم أخيها أن بلانش أصيبت بهلوسة في عقلها، مما جعلها تعزل نفسها غي غرفتها لا تريد الخروج وتريد أن تبقا وحيدة منعزلة عن العالم ، وأنها لم تريد الخروج ولو مرة واحدة طول هذه السنيين.


لكن ما زعمه أخيها مارسيل كان متناقضًا لرواية الشهود، الذين قالوا أنهم في عدة مناسبات سمعوا صوت لامرأة تبكي وتنادى وتستغيث بكلمات مثل الشرطة والرحمة والحرية، وقد صرح أحد الشهود قائلا : أنه سمع صوت لامرأة تصرخ وتقول ماذا فعلت لك. تحبسونني أنا لا أستحق هذا التعذيب الرهيب.


كتبت الصحافة في فرنسا عن قصتة هذه الفتاة بشكل موسع، حيث ان الأمر بمثابة شئ لا يصدق وصدمة للرأي العام أكثر ما أثار سخط الناس وغضبهم عندما رأوا صورة بلانش حين تم إنقاذها ونقلها إلى المستشفى بعد خروجها من سجنها المنزلى، فقد كانت الصورة مخيفة فمن يراها للوهلة الأولى يعنقد بأنها صورة لوحش أو عفريت.


بعد ذلك تم القبض على أمها لويز مونييه وإيداعها في السجن، حيث قاموا الناس بالذهاب والتجمهر أمام سجنها وأخذوا يرددون عبارات كراهية ومسيئة للأم، قامت الشرطة بنقلها من مكانها إلى مكان آخر أكثر أمانناً لكنها لم تصمد وتم نقلها إلى المستشفى أثر تعرضها إلى أزمة قلبية، وقد ماتت بعد ١٥ يوم من تحرير ابنتها من حجرتها المظلمة.


يقال أن دمعة يتيمة قد نزلت من عين أمها قبل أن تفارق حياتها وكان آخر شئ قالته وما نطقت به هو "آه طفلتي بلانش"


تم الحكم على أخيها مارسيل مونيه عام ١٩٠١، بتهمة  إختطاف وتعذيب شقيقته، استمرت المحاكمة لمدة ٤ أيام وقد حكم عليه ب ١٥ شهرا، قد رأى الناس أنه حكم عادل بمثابة رد إعتبار لأخته لكن مارسيل لم يقضي يومًا واحدًا في السجن فقد تقدم بطلب إستئناف إلى محكمة آخرى ورأى القاضي أنه لم يكن له يد في تعذيب أخته فأطلق سراحه.


بعد ذلك باع مارسيل جميع أملاكه وانتقل إلى العيش في الريف، معتزلاً الحياة الاجتماعية والمهنية وذلك ربما بسبب أنه أراد أن يبتعد عن نظرات الناس الذي كانت مليئة  بالكره واللوم والاحتقار، وقد مات هناك وحيداً عام ١٩١٣.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-