ما هي القارة البلاستيكية؟
في شمال المحيط الهادئ وتحديدًا في منتصف المسافة ما بين ولاية هاواي (Hawaii) كالفورنيا (California)، تقع واحدة من أكبر تجمعات القمامة والنفايات البلاستيكية في محيطات العالم على الإطلاقات.
وهذا التجمع يعرف باسم "بقعة النفايات الكبيرة" في المحيط الهادئ (Great Pacific Garbage Patch)، أو دوامة نفايات المحيط الهادئ أو القارة البلاستيكية، وحجم النفايات الموجودة في المنطقة مُخيف بشكلٍ لا يمكن تصوره.
لدرجة أنها تغطي مساحة تُقدر بمليون و600 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مساحة دولة فرنسا، فمما تتكون هذه النفايات ولماذا تتجمع في هذا المكان تحديدًا؟ وكيف وصلت لأن تكون أشبه بقارة جديدة عائمة على المحيط؟
أسباب التلوث البلاستيكي
لا شك في أن البلاستيك يُمثل جُزءًا أساسيًا من استخدامات كل فرد منا بصفة يومية، لكن هل عمرك فكرت في كم المنتجات البلاستيكية التي تتخلص منها في اليوم الواحد؟.
على مستوى العالم يتم التخلص من تريليون كيس بلاستيك بصورة سنوية، والتريليون يتكون من واحد أمامه 12 صفر، وهذا الرقم سنويًا يعادل حوالي ما هو مقداره 2 مليون كيس في الدقيقة الواحدة، ومن كل 200 كيس بلاستيك لا يوجد غير كيس واحد الذي يمكن إعادة تدويره مرةً ثانية.
في عام 2016، تم شراء 480 مليار زجاجة بلاستيكية على مستوى العالم، أما عن الأغلفة البلاستيكية فالكم الذي يتم إنتاجه في السنة الواحدة يكفي لتغطية كوكبنا بالكامل حول خط الاستواء لعشر مرات متتالية.
والأكواب البلاستيكية القابلة للاستخدام مرةً واحدة ويتم رميها تقدر بـ 500 مليار كوب يتم إنتاجها والتخلص منها سنويًا، لكن يا ترى ما هي المشكلة؟
مشكلة الكم الهائل من البلاستيك وأضراره على البيئة
في الواقع يوجد مشكلة ومشكلة كبيرة أيضًا، البلاستيك الذي يتم استخدامه في صناعة هذه المنتجات لا يتحلل بسرعة ويستغرق مدة من الوقت تبلغ 500 سنة لـ 1000 سنة حتى يتحلل بشكل نهائي.
ولا ننسى أن صناعات البلاستيك لا تتوقف على الأمثلة المذكورة فقط، بل تدخل في عدد غير محدود من المنتجات والتي تنتهي مصيرها كنفايات ولا بعد حين.
فرشات الأسنان، عبوات مستحضرات التجميل، الملابس وغيرها، من وقت ظهور المواد البلاستيكية الصناعية إلى وقتنا الحالي، ما يقرب من 75% من إجمالي ما تم إنتاجه من البلاستيك تحول إلى نفايات.
ومع طبيعة مقاومته للتحلل فجميع النفايات البلاستيكية هذه، ما زالت موجودة معنا إلى وقتنا الحالي، وليس جميع دول العالم تمتلك الإمكانات لإعادة تدوير النفايات مرةً أخرى.
بالإضافة إلى أن بعض الدول لا تهتم بالموضوع، ولو حتى المهتمون فلن يتمكنون مع إعادة تدوير هذا الكم الرهيب من النفايات بصورة مستمرة، والاسوا من ذلك أن نسبة صغيرة جدًا من النفايات البلاستيكية هي ما يتم حرقها، ونسبة أقل تتم إعادة تدويرها.
اما النسبة الأكبر يتم التخلص منها في المحيط بمعدل يصل إلى 8 ملايين طن في السنة الواحدة، فمعظم الكمية الرهيبة هذه يرجع مصدرها إلى دولة آسيا والصين تأتي على رأس القائمة.
وهذا يعود إلى الطفرة الصناعية الموجودة في كل مكان في العالم، والتي تدعس الاهتمام البيئي، وهذا الأمر لا يؤثر عليهم فقط بل يؤثر على كافة سكان العالم.
دوامة نفايات المحيط الهادئ
النفايات التي يتم التخلص منها في المحيط تتجمع فيما يسمى بالدوامات المحيطية، وهي نظام ضخم من التيارات المحيطية الدائرية تتحرك في محيطات العالم،
والدوامة التي نتحدث عنها تقع في شمال المحيط الهادئ وتدور المياه من الساحل الغربي لأمريكا وصولًا لليابان، أي عند رمى زجاجة بلاستيكية في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، سوف تصل إلى اليابان في خلال مدة تبلغ 3 لـ 5 سنوات، وبعد ذلك ستعود مرةً ثانية.
وتتحرك النفايات البلاستيكية وغيرها من المخلفات التي يتم التخلص منها في المحيط وتعلق في هذه المناطق إلى الأبد، ودوامة نفايات المحيط الهادئ تعتبر هي التجمع الأكبر للنفايات في محيطات العالم على الإطلاق.
وتتشكل في نوعين من النفايات، الأول هو البقعة الغربية بالقرب من اليابان، والثاني هو البقعة الشرقية الموجودة بين ولاية هاواي وكاليفورنيا، وهذين البقعتين يرتبطن مع بعضهن في المنطقة شبه الاستوائية في شمال المحيط الهادئ، وهي المنطقة التي تتلاقين فيها المياه الدافئة الجارية من جنوب المحيط الهادئ مع المياه الباردة القادمة من القطب الشمالي.
وتعتبر هذه المنطقة بمثابة طريق سريع تتحرك فيه النفايات من بقعة للثانية، وعلى الرغم من أن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي والمعروفة اختصارًا باسم (NOHH)، تكلمت عن هذه البقعة في أواخر الثمنينات.
إلا أن الأنظار بدأت تنجذب أكثر إلى البقعة في عام 1990 مع سقوط شحنة ضخمة من الأحذية التابعة لشركة نايك (Nike) من على سفينة شحن بالقرب من الدوامة، حيث وصل عدد الأحذية الواقعة من أعلى الشاحنة إلى 61 ألف حذاء.
وطبعًا مع قربها من الدوامة، كان لا يوجد أي أمل من انجرافها على اليابس، وانتهى مصيرها بالانضمام إلى باقي النفايات العالقة بالدوامة.
وبعد مرور العديد من السنوات وتحديدًا في عام 1997، إنقلب العالم بعد كتابة عالم البحار الأمريكي تشارلز مور (Charles Moore) مقالات يحكي فيها عن مشاهدته لبقع مهولة من النفايات في غرب المحيط الهادئ يصل حجمها إلى ضعف حجم ولاية تكساس (Texas).
وطبعًا الوصف الذي ذكره القبطان، كان أضعاف التقديرات السابقة عن حجم البقع الفعلي، ومن هنا بدأت أكثر من وكالة بيئة في السعي لفحص الأمر عن قرب، وتحاول التوصل إلى طُرق ترصد من خلالها كم النفايات بصورة أكثر دقة.
دور المنظمة البيئية The Ocean Cleanup
وكانت أهم هذه الوكالات هي منظمة (The Ocean Cleanup) أو تنظيف المحيط، وهي منظمة بيئية غير حكومية اهتمت بتطوير بعض التقنيات لاستخراج ودراسة النفايات البلاستيكية من المحيط.
أولًا قاموا بالخروج في قوارب ومركبات وهم يسحبون شبك يجمعون فيها عينات من البلاستيك العائم في المحيط، حيث قاموا بوضع على بعضها أجهزة تتبع حتى يتمكنوا من دراسة حركة النفايات وتحديد مسارها والأماكن التي تتجمع فيها، لتركيز جهودهم عليها.
وفي عام 2015، خرجوا في حملة موسعة شملت 30 مركبة و652 شبكة صيد، وتحركوا بشكلٍ متوازي في المحيط وأسفرت الحملة عن جمع أكثر من مليون و200 ألف عينة من البلاستيك.
وحاليًا يتم تطوير نظام جديد لأنبوبة عائمة موصل أسفلها ستارة ضخمة تتحرك مع الأنبوب على عمق ثلاثة أمتار، ويتحرك هذا النظام في المحيط على شكل حرف C، ليجمع كم كبير من النفايات البلاستيكية من المنطقة الذي يتحرك فيها.
ومن المتوقع حسب تصريحاتهم أن هذا النظام سوف يساعد في تنظيف المحيطات من النفايات البلاستيكية في عام 2040 بنسبة 90%.
لكن في الحقيقة هذا الأمر ليس في غاية السهولة، حيث تذكر التقارير وإلى وقتنا الحالي، أننا غير قادرين على حصر الكم الأكبر من النفايات البلاستيكية الموجودة داخل المحيطات.
وبالعودة لمسألة القارة البلاستيكية، يا ترى ما هو شكل بقعة النفايات الكبيرة الموجودة في شمال المحيط الهادئ، هل النفايات تتراكم فوق بعض على شكل جبل مثلًا؟، ام تغطي النفايات المنطقة بالكامل وكأنها جزيرة في وسط البحر؟.
شكل بقعة النفايات الموجودة في المحيط الهادئ
في الحقيقة هذه النفايات منتشرة في المنطقة على مساحات ضخمة جدًا وكأنها قارة عائمة منفصلة بذاتها في المحيط، جزء من النفايات عبارة عن حبال وشباك صيد ومجموعات ضخمة من النفايات البلاستيكية، والذي يقدر عددها بمليار و800 مليون قطعة.
ويصل وزنهم إلى رقم خرافي يقدر بـ 80 ألف طن، والنفايات البلاستيكية الطافية على سطح الماء مع تعرضها للأشعة فوق البنفسجية تتفكك إلى قطع صغيرة جدًا أقل من 5 ملي والتي تسمي بالميكروبلاستيك (Microplastics)، وهي التي تمثل الجزء الأكبر من البقعة أو القارة.
وهذه القطع الصغيرة لا تقل خطورتها عن القطع الكبيرة إذا ما كانت تعد هي الأخطر من الأساس، لأن تفككها والتصاقها بأي أجسام أخرى، يعطى فرصة للحيوانات البحرية أن تتغذين عليها وبعضهم يموتون بسببها.
تأثير النفايات البحرية والبلاستيكية على الكائنات البحرية
عدد من الدراسات أثبتت وفاة وإصابة أكثر من 700 نوع مختلف من الحيوانات البحرية بسبب النفايات البحرية عمومًا والنفايات البلاستيكية خصوصًا، وهذه الحيوانات تتنوع من عوالق صغيرة لحيتان عملاقة.
تخيل أن هذه النفايات تقضي على حياة 200 ألف حيوان من أسماك وطيور بصورة سنوية، ومنهم لا يتناول البلاستيك بصورة مباشرة بل يتناوله بصورة غير مباشرة عن طريق تغذيه على حيوان تغذي على البلاستيك، حيث يُمثل الإنسان حلقة من هذه السلسلة وهو تغذيه على الحيوانات البحرية.
ناهيك عن أن عددًا من المواد المستخدمة في صناعة البلاستيك هي في الأساس مواد سامة، والدراسات والأبحاث أثبتت أنها تتسبب في إصابة الإنسان بأمراض مختلفة كالسرطان.