واحدة من أكثر المعلومات المثيرة بخصوص الحرب العالمية الثانية أنه يوجد قرابة المليون جندي ياباني قد استمروا في الحرب دون أن تصلهم معلومة انتهاء الحرب من الأساس، بل أن وصل الحال بوحدة صغيرة كوحدة الملازم هيرو أونودا (Hiroo Onoda) أنها تبقي مستمرة في القتال لمدة بلغت الـ٢٩ عام.
جزيرة لوبانج - Lubang Island
فريق من الباحثين يذكرون أن اليابان لم تُهزم مع نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن الوصف الصحيح لانتهاء الحرب هو أنه تم الإتفاق على وقف إطلاق النار، والدليل على ذلك في رأيهم أن النظام الياباني وعلى رأسه الامبراطور هيروهيتو (Hirohito) استمروا في مباشرة أعمالهم بعد وقف إطلاق النار.
بالإضافة إلى أن عدد قوات الجيش الياباني وقت توقيع الاتفاقية كان يبلغ تقريباً ٧ مليون مقاتل، كان من بينهم مليون كانوا يقاتلون على الجُزر البعيدة بعدما تسبب الأعمال الحربية في قطع الاتصالات بينهم وبين مراكز القيادة.
لكن بشكلٍ عام المهم من المليون مقاتل الذين كانوا يقاتلون في هذه الجُزر المتفرقة، هي القوة الصغيرة الذي كان مطلوب منها تأمين جزيرة لوبانج الفليبينية والمهم منهم على وجه التحديد هي وحدة الملازم هيرو أونودا المُكونة من ٤ جنود.
مع قُرب وصول قوات التحالف إلى الجزيرة بأعداد أكبر بكثير من القوات المدافعة، صدرت أوامر للقوات اليابانية بالانتشار في وحدات صغيرة مكونة من ثلاثة أو أربعة أفراد، وهذه الوحدات الصغيرة عليها الاختباء في الأدغال، بعد ذلك تبدأ في حرب عصابات لتؤثر على القوات القادمة.
من هو هيرو أونودا - Hiroo Onoda
وُلِدَ هيرو أونودا في مدينة كينان (Kainan) بوسط اليابان في ١٩ مارس عام ١٩٢٢ م، ولد من عائلة يابانية عريقة يعتزوا أنهم أحفاد الساموراي، لذلك لم يكن من الغريب أن أونودا ينضم في وقت مبكرًا للجيش وهو يبلغ من العمر ١٨ عام، لكن ما يُميز أونودا عن باقي إخوانه الـ٧ أن أونودا تمكن من الالتحاق بأكاديمية ناكانو (Nakano) المسؤلة عن تخريج صفوة الصفوة من الجنود الإمبراطورية المقدسة.
ويكفي أن الإشارة إلى هذه الأكاديمية لم يعد لها وجود بعد الحرب العالمية الثانية، حيث يبلغ عدد الخريجين منها على مدار تاريخها ٢٥٠٠ مقاتل فقط، في أكاديمية ناكانو تعلم أونودا كافة أساليب الاستخبارات العسكرية وحروب العصابات بالإضافة إلى فنون القتال.
وعند الجمع بين ما تعلمه من هذه الأكاديمية بالإضافة إلى أصول الساموراي سيكون مفهوم حجم الإصرار الكبير الذي يمتلكه، والذي جعله يبقي لمدة ٢٩ عام بعد الحرب رافضًا تصديق كافة الإخباريات التي تصله أن اليابان قد استسلمت والحرب إنتهت.
دخول الأميركان إلى جزيرة لوبانج
مع وصول القوات الأمريكية إلى الجزيرة، إختفي أونودا في الغابة مع وحدته الصغيرة المكونة من ثلاثة أفراد غيره، وكان التوجيه المباشر الذي تلاقه الملازم أونودا من رئيسه إن المجموعة تستمر في القتال إلى أن يصلها تعليمات جديدة، حيث كان تنبيه القيادة إلى الملازم أونودا في غاية الوضوح ممنوع الاستسلام أو الانت***حار.
بعد وصول القوات الأمريكية إلى الجزيرة بدأت عملية تمشيط وبالفعل تمكنوا من تطهير الجزيرة بشكل كبير وإخلائها من المقاومة اليابانية، ومع التطهير استقرت الأوضاع، حيث بدأت القُرى باستعادة سكانها من الفلبينيين مرةً آخرى.
في هذا الوقت كانت مجموعة أونودا مُستمرة في التخفي والتنقل من مكان لآخر في انتظار تلقي أي تعليمات جديدة، حيث كانت الفترة الأولى هي الأصعب، اضطرت الوحدة العيش والتغذي على الموز وجوز الهند وأوراق الأشجار بالإضافة إلى أي مخلوقات تقابلهم.
لكن بعدما هدأت العمليات الأمريكية وتمكنوا من الاستقرار والرجوع إلى تربية الماشية والمحاصيل، تم إيجاد السبيل لهذه المجموعة، حيث قاموا بعمليات سلب ونهب لماشية ومحاصيل الأهالي، فكان من الطبيعي أن تقوم الأهالي بتقديم بلاغات تنص على سرقة ماشيتهم ومحاصيلهم.
بل أن الأهالي لجأت إلى حمل الأسل***حة ومقاومة لصوص الغابات كما كان يُطلق عليهم، وبدأوا مسلسل من العُنف كانت نتيجته مق**تل ٣٠ شخص من الأهالي وإصابة العشرات منهم، ومع عجز الأهالي وقوات الشرطة الفيليبينية في القبض على اللصوص.
بدأت تتراود الشكوك حول العصابة الموجودة في الغابة على أنها مجموعة من القوات العسكرية المحترفة وعلى الأرجح ستكون من المقاومة اليابانية، مع هذا الاستنتاج بدأت الطائرات تُلقي منشورات ومكبرات صوتية تعمل حيث كانت الرسالة منها أن الحرب قد إنتهت وأعلنت اليابان استسلامها وعلى القوات اليابانية المعزولة تسليم نفسها.
تشتيت الوحدة اليابانية
رسالة الاستسلام التي طالبت بها المنشورات من خلال الطائرات ومكبرات الصوت، كانت مجرد مزحة لوحدة الملازم أونودا وتم اعتبار هذه الرسالة ما هي إلا حرب نفسية لتسليم أنفسهم، وبناءًا على ذلك قررت المجموعة الاستمرار في القت***ال والتخفي إلى أن تتلقي تعليمات جديدة مؤكدة من وحدة القيادة العسكرية.
حيث استمرت هذه الأوضاع لفترة زمنية كبيرة لحين تم القضاء على بقية المجموعات المتخفية الموجودة في الجزيرة سواء كان ذلك بالق***تل أو الاستسلام، حتي أيضًا كان لوحدة أونودا نصيب من هذا فتعرضت للإصابات وكان أونودا يقوم بدور القائد والطبيب.
مع الوقت بدأ ظهور القلق على أحد أفراد المجموعة وهو يويتشي أكاتسو (Yuichi Akatsu) والذي كان يراوده إحساس أنهم كانوا هم الباقيين أو الناجيين الوحيدين المتبقيين في الغابة، ولذلك بعد مرور خمسة سنوات قرر أكاتسو الانفصال عن المجموعة والعيش بمفرده داخل الغابة.
وبالفعل انفصل أكاتسو عن الوحدة وعاش ٦ أشهر وفي نهايتهم قرر تصديق رواية انتهاء الحرب وقام بتسليم نفسه، ومع تسليمه لنفسه وتأكده من انتهاء الحرب فعلًا، آخذ يُدْلَى بمعلومات عن رفاقه المختبئين داخل الغابة، لكن ما فعله أكاتسو أدي إلى نتيجة عكسية، لأن بالنسبة لأونودا كان أكاتسو خاين وضعيف ومتعاون مع القوات الغازية.
وعندما وصلت لهم منشورات بخط الأيدي لبعض أقاربهم والقيادات اتفقوا أنها مجرد رسايل تمت كتابتها تحت أثار التعذ***يب، والنتيجة لعدم تصديق انتهاء الحرب كانت استمرار أونودا وشيمادا وكوزوكا في التخفي للنهاية، لكن النهاية بالنسبة لشيمادا كانت أسرع من المتوقع وتم قت ***له ١٩٥٤ م.
استمر بعدها أونودا وكوزوكا مدة بلغت الـ١٨ عام داخل الغابة في حالة من الترقب والشك في الجميع، وأخيرًا عام ١٩٧٢ م سقط كوزوكا في معركة مع ظباط الشرطة الفيليبينية وترك أونودا ليُكمل مسيرته وحده.
خرج أونودا من الغابة
مق**تل كوزوكا وعثور الشرطة الفيليبينية على جثمانه كانوا سببًا لفتح موضوع وحدة أونودا مرة ثانية، بعدما كان معتقد أن الوحدة كاملةً تمت تصفيتها، ونتيجة لذلك عادت عمليات البحث مرة اخري للتأكد إذا كان أونودا مازال على قيد الحياة، لكن ما لم يستطيعوا من فعله في البداية وهو العثور عليه من المستحيل العثور عليه بعدما تدرب على الاختباء والتخفي لمدة بلغت الـ ٢٨ عام.
حيث كانت النتيجة الطبيعية هي أنهم توقفوا عن البحث، لكن في نفس الوقت أخذت القصة تنشر مرةً اخرى في المجتمع الياباني، ومع سماع نوريو سوزوكي الشاب المغامر لهذه القصة واصراره على إيجاد أونودا وإحساسه أنه الشخص الوحيد الذي يستطيع إيجاده.
لكن الحقيقة هي أن أونودا هو الذي عثر على سوزوكي وليس العكس، نوريو سوزوكي كان شخصًا مدنيًا صغير في العمر وحده غير مُسل**ح، لذلك تشجع أونودا في الظهور إليه وتثبيته داخل الغابة، بعد ذلك بدأ سوزوكي في منشدات مع أونودا.
يقول له : أن الامبراطور واليابان بأكملها يصيبها القلق واخباره أن الحرب قد إنتهت ولم تستسلم اليابان والأوضاع كما هي، لكن أونودا أيضًا لم يصدقه واشترطَ أن القائد المباشر الخاص به يوشيمي تانيجوتشي (Yoshimi Taniguchi) يأتي بنفسه لاعفائه من مهمته، وكانت النتيجة عودة سوزوكي لليابان لتنفيذ المطلوب.
وفعلاً رجع بعدها بصحبة الأخ الأكبر لأونودا بالإضافة إلى الرائد تانيجوتشي الذي كان يعمل وقتها في مكتبة لبيع الكتب بعد تركه للخدمة، وأخيرًا حصل أونودا على التصريح بإعفائه من مهمته والرجوع إلى طبيعته الإنسانية مرة آخرى.
كان أونودا في ذلك الوقت في قمة التأثر، وذكر أنه كان يفضل الموت مثل شيمادا وكوزوكا بدلاً من معرفة أنه أستمر في ق**تل مدانين وأخذ محاصيلهم وهو يعتقد أنهم من الأعداء، وقام على الفور بتسليم بندق**يته و٥٠٠ طل**قة وخنجر صغير بالإضافة إلى سيف أصر بتسليمه إلى رئيس الفلبين كعلامة على الاعتذار والاستسلام، وبالفعل قام بتسليمه لرئيس الجمهورية والذي قبل اعتذاره ومنحه عفوًا كاملًا عن الجرائم المرتكبة.
عودة أونودا إلى اليابان
في اليابان تم استقبال أونودا استقبالًا كبيرًا نظراً لإخلاصه وتفانيه وتضحياته، حيث أعتمدت الحكومة اليابانية راتب أونودا خلال الـ٢٩ عام وقامت بتسليمه إياه، بالإضافة إلى المعاش العسكري وتهافتت عليه وسائل الإعلام ومخرجين السينمات وصناع الأفلام الوثائقية.
وبالرغم أنه كان يستحق إلا أنها بالنسبة له كانت انفجار وضوضاء ليس لها نهاية لشخص عاش قرابة الـ٣٠ عامًا بعيدًا عن الناس، بالإضافة إلى تغير عادات المجتمع الياباني وسرعة الحياة العصرية، وكانت النتيجة أن أونودا قد هاجر إلى البرازيل ليواصل حياته في مزرعة بعيداً عن الناس، وأخذ يتردد إلى اليابان من وقت لاخر لحين الاستقرار فيها مرة آخرى.
وقام بتأسيس مدرسة لتعليم الشباب الياباني مهارات البقاء والعادات والتقاليد اليابانية الأصيلة، ولم ينسي زيارة جزيرة لوبانج مرةً ثانية والتبرع بجزءً ماليًا تعويضًا عن ما سببه من أضرار من سرقة المحاصيل والماشية وتقديم أعتذار عن كافة المضايقات التي سببها لأهالي الجزيرة، وعاش أونودا عمراً طويلاً إلى أن بلغ ٩١ عام، وتوفي في يناير من عام ٢٠١٤.