لماذا ارتدى أطباء مرض الطاعون قناع بمنقار؟

في القرن الـ ١٣ الميلادي كان يواجه العالم وباء مخيف فتاك وهو مرض "الطاعون" والذي عُرف وقتها بين الأشخاص بإسم "الموت الأسود" كان هذا المرض بمثابة الشبح ينتقل من مكان إلى آخر ومن بلد إلى آخرى وكانت دول أروبا أكثر الأماكن إنتشاراً للمرض، الطاعون في ذلك الوقت فتك بـ أغلب سكان أوروبا ومدينة فلورنس الإيطالية مات فيها ما يقارب ٩٠٪؜ من سكانها بالإضافة إلى أن الطاعون تسبب في هلاك الماشية والطيور.

ما هو الطاعون؟ ولماذا ارتدى أطباء مرض الطاعون قناع بمنقار؟

وفي وسط الأجواء المرعبة هذه كان هناك مجموعة مميزة من الأشخاص يرتدون زي مُميز لافت للانتباه وهو عبارة عن عباءة سوداء تغطى أجسامهم بالكامل وطاقية سوداء بالإضافة إلى القفازات مُمسكين في يدهم عصا من الخشب وعلى وجهم قناع غريب يشبه الغراب وهي المجموعة التي كانت معروفة بإسم "أطباء الطاعون" 


ما هو مرض الطاعون؟


الطاعون وتحديدًا الطاعون الدبلي هو مرض بكتيري سريع الانتشار يؤثر على البشر والحيوانات، حيث يُعتقد أن مرض الطاعون هو حيواني المنشأ والمُدهش أن المصدر أو السبب في هذا المرض هو نوع من البراغيث تعرف بإسم (براغيث الفئران الشرقية) هذه البراغيث تكون حاملة للمرض وتبدأ بالدخول إلى أجسام الفئران في فروهم والالتصاق بأجسامهم ولذلك كانت الفئران أول المخلوقات ضحايا للطاعون.


ما هي أعراض الإصابة بمرض الطاعون؟


المُصاب بهذا المرض يظهر عليه الأعراض الآتية : مجموعة من الدمامل وتحديداً في منطقة الفخذ وأسفل الذراعين بعد ذلك تبدأ الدمامل في الانتفاخ والزيادة في الحجم إلى أن تصل إلى الانفجار وخروج سائل لونه أسود ويظهر على المُصاب أعراض الحُمى واضطراب في المعدة وإذا إستمر هذا الوضع لعدة أيام دون التدخل وعلاجه يؤدى إلى الوفاة.



كيف يصاب الشخص بمرض الطاعون؟


إذا أُصيب شخص أو جُرح من فأر حامل لهذا النوع من البراغيث الشرقية تنتقل العدوى إليه مباشرة بل أن إذا قُرص شخص من هذه البراغيث بشكل مباشر تنتقل العدوى أيضاً بشكل مباشر.


كان المرعب في الطاعون هو انتقاله بين العوائل باختلاف أنواعهم بسهولة شديدة يعنى ذلك من إنسان إلى إنسان ومن إنسان إلى حيوان ومن حيوان إلى إنسان وهكذا، حيث كانت شبكة العدوى بمرض الطاعون واسعة جداً ونتيجة لذلك كان المرض سريع الانتشار إلى أنت تسبب في هلاك عشرات الملايين من الضحايا، فلك أنت تتخيل أن في أوروبا منذ عام ١٣٤٧ - ١٣٥٢ اى حوالى ٤ أو ٥ سنوات تسبب الطاعون في وفاة ٢٥ مليون إنسان.


الكارثة الكبيرة التي تسبب بها مرض الطاعون والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت جعلت هناك أطباء ومتخصصين لمساعدة ومعالجة الضحايا من هذا المرض المرعب، حيث كان يستعين الأشخاص بالأطباء في المناطق المنتشر فيها الطاعون والمهام القائمين بها هي معالجة الضحايا والاهتمام بهم وتقديم الأدوية المساعدة لتخفيف الأعراض بالإضافة إلى ذلك دورهم المهم في دفن الضحايا.


لأن لسبب ما غير مفهوم وقتها عندما كانت تُترك جثث الضحايا دون أن تُدفن كانت تعمل على زيادة العدوى بالطاعون أكثر فكانت يأتي أطباء الطاعون لكى يقوموا بدفن الجثث، أيضاً كانت أطباء الطاعون مسؤلة عن حصر أعداد الضحايا في السجلات العامة وتوثيق معظم الحالات بل أن إذا كان هناك شخص يحتضر كان يستعين بأطباء الطاعون لكتابة الوصية الخاصة به أو تسليمها لهم لكى يتم تسليمها بعد ذلك للأهل وذلك لأن الأشخاص العاديين غير مسموح لهم بالاقتراب من المصابين بالطاعون.


المهام التي ذُكرت كانت تتطلب من الأطباء أن يحتكوا مع المرضى بشكل مباشر ونتيجة لذلك كان يحاول الأطباء تغطية وجوههم قبل التعامل المباشر مع المصابين بالطاعون، حيث كان الموضوع وقتها يحدث بشكل عشوائي غير منظم اى يقوموا بتغطية وجهم بقطعة من القماش وآخرين بقطعة من الجلد وهكذا.


لكن مع قدوم القرن الـ ١٧ عام ١٦١٩ م كان يوجد طبيب فرنسي يسمى ( شارلي دي لورم ) كان مشهور في فرنسا ويقوم بعلاج الأسرة المالكة، هذا الطبيب اقترح عمل زي مخصص يرتديه الأطباء وهم يتعاملون بشكل مباشر مع مرضى الطاعون لكى يحميهم.


وقد أستوحي الزي من البدلة العسكرية للجيش حيث كان الزي المقترح عبارة عن عباءة طويلة مصنوعة من الجلد تغطى الجسم بأكمله من الرأس إلى القدمين بالإضافة إلى قفازين ونعال طويل وقبعة من الجلد وعصا من الخشب وأخيراً قناع من الخشب مغطى بالجلد يحتوى من الأمام أمام العين على عدستين من الكريستال ينتهي بتجويف غريب يشبه منقار الغراب بداخله فتحتين للتنفس.


لماذا ارتدى أطباء مرض الطاعون قناع بمنقار؟


لم يكن هذا التصميم عشوائي بل أن كل شئ كان يوجد منه فائدة، على سبيل المثال لم يكن القناع ذات تجويف فارغ من الداخل بل كان يوضع بداخله أعشاب ومواد طبيعية مثل النعناع والقرنفل والفلفل وغيرهم، وكان الهدف من هذا الأمر هو حماية الأطباء من الروائح الكريهة حولهم وذلك لأن وقتها لم يكن يعلم الأشخاص أن البكتريا هي السبب في إنتشار الطاعون فكانوا يعتقدون أن الطاعون ينتشر من خلال الروائح الكريهة التي تخرج من أجسام الضحايا.


كانوا يطلقون على هذه الروائح اسم ( الهواء الفاسد ) وكان هذا القناع بالنسبة لهم يحميهم من الهواء الفاسد، بالإضافة إلى أن القناع الذي يشبه الغربان كان له إيحاء رمزى بالنسبة لهم وهي أن الطيور المفترسة كالغربان والصقور والنسور مخلوقات قوية ونبيلة وبالتالي كان شكل القناع يعطيهم إيحاء بالقوة وهذا بدوره كان يرفع مستوى الثقة عند الأطباء.


بالنسبة إلى باقي أجزاء الزي كانت بهدف حماية باقي أجسام الأطباء من تأثير الهواء الفاسد وخصوصاً أن الجلد المستخدم كان عبارة عن عدة طبقات من الجلد القوى مستخدمين نوع خاص من الجلود كان يُصنع يدويًا من جلد الماعز، وكانت القبعة ذات دلالة مهمة جداً حيث كان أطباء الطاعون هم الذين يرتدونها فقط وبالتالى كان ذلك يميزهم عن غيرهم من الأطباء برغم من توفيرها درجة حماية عالية للرأس من الروائح الكريهة والملوثات، أما بالنسبة للعصا الخشب كانوا يفحصون بها المرضي دون لمسهم بشكل مباشر.


على بالرغم من عدم فهم طبيعة إنتشار المرض إلا أن هذا الزي الغريب تمكن من حماية الأطباء من العدوى المنتشرة، لكن للأسف الإجراءات الطبية التي كانوا يفعلوها لمساعدة الضحايا لم تكن فعالة وذلك لعدم معرفتهم بأنها عدوى بكتيرية.


نتيجة لذلك كانوا يقوموا بعملية تسمي ( فصد الدم )  فيها يتم قطع عرق من الوريد حتى يسيل الدم بكميات كبيرة وذلك لأنهم كانوا يعتقدون أن هذه العملية ستعمل على تجديد الدم وبالتالي مقاومة الجسم للمرض، بل أن في بعض الأحيان كانوا يحضرون ضفادع أو علقات ووضعها على الأماكن المصابة حتى تمتص السوائل والدم.


بالإضافة إلى إعطاء المرضي مجموعة من الأدوية على أمل أن تشفيهم وكانت المواد المصنع منها الدواء هي نفس المواد الطبيعية الموجودة في منقار القناع أعشاب وأوراق نباتية وما إلى ذلك، لكن لم يكن لهذه المواد نتيجة.


إلى أن جاء الطبيب السويسرى ( ألكساندر يرسن ) عام ١٨٩٤ م واكتشاف وجود بكتريا هي المسببة للطاعون وتمكن من زراعة البكتريا في المعمل وجاء من بعد علماء واكتشفوا أن البكتريا تنتقل من خلال القوارض والفئران عن طريق البراغيث، وكانت أول الخطوات لفهم المرض وتطوير علاجات ولقاحات مناسبة له.


على الرغم من أن وباء الطاعون انتهي من مئات السنين إلا أن يزال شكل قناع الغراب لأطباء الطاعون وقتها ذكرى مستمر وتذكير للحدث الذي أرعب العالم كله في يوم من الأيام،وعلى رغم من أن شكل القناع يعد مُخيف نوعاً ما إلى أنه يعطينا الأمل أن كل مرض ووباء مهمها كانت صعوبته نتمكن في النهاية بإذن الله من اكتشاف علاجات تخلصنا منه.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-